ملحم الرياشي آخر وزير للإعلام

أن يقول وزير الإعلام الجديد ملحم الرياشي، في أول إطلالة رسمية له، خلال تسّلمه مهامه الجديدة من سلفه رمزي جريج، أنه سيكون آخر وزير للإعلام، طرح أكثر من تساؤل عما قصده بكلامه.

من الواضح أن ما رمى إليه الوزير الديناميكي، الذي يعرف أهمية الإعلام ودوره، وهو الآتي من خلفية إعلامية، يتجاوز بأبعاده العميقة المعنى الحصري لهذه “القنبلة”، التي فجرها منذ اليوم الأول لوصوله إلى وزارة أعترف من سبقه إليها بضرورة تغيير الوجهة، التي أنشئت على اساسها، مطلع الستينات من القرن الماضي.

أن يكون ملحم الرياشي آخر وزير للإعلام لا يعني إلغاء هذه الوزارة، وهي لم تعد موجودة في كثير من الدول، بل يعني أن يكون آخر وزير يتعاطى مع الشأن الإعلامي بالطريقة التقليدية، وبالشكل الذي يتعارض مع ما شهده القطاع الإعلامي من تطور، في المفهوم العميق لممارسة الحرية أولًا، وفي الوسائل الحديثة المعتمدة، والتي جعلته أقرب إلى الناس، بفعل تفاعله مع قضاياهم وما لها علاقة مباشرة بالتفاصيل، التي تحدّد مستوى المقاربة الموضوعية لتطلعات الشريحة الواسعة من المواطنين.

فوزارة الإعلام لم تعد، وفق ما يتطلع إلى دورها الوزير الجديد، وزارة جامدة ينحصر دورها في ما له علاقة بأخبار الرؤساء والوزراء، بل ستكون وزارة للإعلاميينن الذين سيجدون في وزارتهم حصنًا منيعًا في وجه كل من تسّول لهم نفسهم تخطّي الخطوط الحمر، والتطاول عليهم ومحاولة تقييد حرية حركتهم، والحؤول دون وصولهم إلى المعلومات التي تمكّنهم من ممارسة دورهم بحرية غير مقيدة، وإظهار مكامن الخلل وتسليط الضوء على ما يشكو منه الجميع، وهو ما بات يُعرف كعنوان رئيسي بـ”الفساد”، الذي ينخر الجسم اللبناني والمؤسسات والإدارات.

ملحم الرياشي، كما أعرفه، سيكون آخر وزير يسكت عن أي ظلم، أيًّا كان نوعه، معنويًا ومادّيًا، يلحق بأي إعلامي.

ملحم الرياشي سيكون حتمًا آخر وزير يقبل بأن يتهدّد الإعلاميون بلقمة عيشهم، وأن يعيشوا هاجس التخلي عن خدماتهم من قبل مؤسساتهم، من دون أن يحصلوا على حقوقهم كاملة، معنويًا وماديًا، وهو سيكون إلى جانبهم في تأمين ما يوفر لهم إستقرارًا إجتماعيًا.

ملحم الرياشي، وزير الإعلام اليوم وإعلامي الأمس، لن يستكين حتى تؤمن للصحافة الورقية ما يمنع عنها شبح الإقفال، لأن لا معنى للبنان من دون صحافته، التي أسهمت على مرّ العقود في ترسيخ إستقلال لبنان، وكانت صوت الناس في وجه الظلم والمطالبة بالسيادة الوطنية.

قد لا تكون هذه الأسطر تسع لتفصيل كل ما يحمله معه الوزير الجديد من أفكار وطموحات ومشاريع للمستقبل الإعلامي، بدءًا من تفعيل دور الوحدات التابعة لسلطته ووصايته، وصولًا إلى كل شاردة وواردة تتعلق بـ”مهنة المتاعب” والعاملين فيها، سواء من خلال مواقعهم الخاصة في المؤسسات التي يعملون فيها، أو من خلال النقابات المنضوين إليها، بحيث تكون إطارًا جامعًا، يكون لها الحضور والفاعلية شأنها شأن النقابات العريقة.

باختصار، ملحم الرياشي لن يكون آخر وزير إعلام، بل الأول في ورشة المصالحة، وهو الخبير فيها، مصالحة الإعلام مع ذاته أولًا، ومع وزارته ثانيًا، ومع ناسه ثالثاً، فتغيب اللغة الخشبية لتحّل مكانها لغة التقارب.

معه ستطول سلسلة المفاجآت … ونحن في الإنتظار!

اخترنا لك