بمناسبة عيد الميلاد المجيد، وجّه قداسة سيدنا البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني رسالة معايدة لأبنائه الروحيين في جميع الكنائس السريانية الأرثوذكسية في العالم.
في ما يلي نصّ الرسالة الكامل :
العـدد: 741/2016
التاريخ: 20/12/2016
بنعمة الله
إغناطيـوس أفـرام الثـاني
بطـريـرك أنطاكيــة وسائــر المشــرق
الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم أجمع
أبناءنا الروحيين الأعزاء في جميع أنحاء العالم
حفظتهم العناية الربانية
«ܓܢܺܝܙ ܐܰܢ̱ܬ ܡܶܢ ܟܽܠ ܒܺܐܝܬܽܘܬܳܟ܆ ܘܰܓܠܶܐ ܝܰܠܕܳܟ ܠܐ̱ܢܳܫܽܘܬܰܢ. ܬܶܗܪܳܐ ܐܶܢܶܝܢ ܬܰܪ̈ܬܰܝܗܶܝܢ܆ ܠܟܽܠ ܕܰܡܗܰܝܡܶܢ ܒܰܫܪܳܪܐ.» (ܡܪܝ ܐܦܪܝܡ)
“محجوبٌ أنت عن الجميع بجوهرك، وميلادك ظاهرٌ لبشريّتنا، والإثنان عجبٌ لكلّ مَن يؤمن بالحقيقة”. (مار أفرام السرياني)
ميلاد السيّد المسيح حدث صارخٌ في عالمٍ أصمّ. فالملائكة بالأناشيد مخلّصاً أعلنوه، والرعاة حول النار راعياً صالحاً احتفلوا به، والمجوس بتقديماتهم إلهاً عبدوه وعبروا المسافات الطّوال ليعاينوا أعجوبة الزمان، الله المتجسّد. وكلّ مَن شهد هذا الحدث، ذُهِل. فالله صار إنساناً، مولوداً من عذراء، آخذاً الطبيعة البشرية ومظهراً ذاته لخليقته.
كان ميلاد الربّ يسوع المسيح إتماماً للنبوءات وللوعد الإلهي للبشر بالخلاص. فقد جاء في سفر إشعياء النبيّ: “لأنّه يولد لنا ولدٌ، ويُعطى لنا ابنٌ، وتكون الرئاسة على كتفه” (إش 9: 6)، وكذلك في إنجيل لوقا البشير: “وُلِد لكم اليوم في مدينة دواد مخلّصٌ هو المسيح الربّ” (لو 2: 11).
في عالمنا اليوم، أصبح الناس يعقدون آمالهم على أمور دنيوية: فيبحثون عن المجد الباطل، ويُستَعبَدون للتكنولوجيا، ويخضعون لإيديولوجيات من صنعهم. كلّما حاولوا صنع الفرح بأنفسهم، زادوا اقتراباً من اليأس والبؤس. وها الشباب اليائس يتذمّر باستمرار من قساوة هذا الدهر وغموض المستقبل الذي يخشون ممّا يحمله لهم في هذا العالم الذي فيه تُداس كرامة الإنسان ويترسّخ في كلّ شخص فكرُ الأنانية والمادّية.
وسط هذا الضجيج العالمي الصاخب الذي يحيط بنا والأزمات التي تطال الكثير من البلدان، شرقاً وغرباً، يبقى لحقيقة تجسّد الربّ صدى فريد.
فالقيم التي علّمها السيّد المسيح في إنجيله تعلو هذا الضجيج وتسمو فوق كلّ فكرٍ مادّي، والتعاليم التي نشرها فادينا تدعو إلى معرفة المعنى الحقيقي للحياة وتميّز الأمور ذات الأهمية عن تلك الزائلة والباطلة.
إنّ الكنيسة لا تتوقّف عن الشهادة بأنّ مولود المغارة أتى بـ”الرجاء الصالح لبني البشر” (لو 2: 14) وهو المخلّص الذي أبطل الموت وانتصر على الخطيئة وأعطى المؤمنين حياة أبدية (أنظر يو 6: 47).
كما تدعو الكنيسة المسيحية المضطهَدة أبناءها إلى تقوية إيمانهم وتوطيد رجائهم بالربّ يسوع المسيح – “عمانوئيل الله معنا” (متى 1: 23) – الذي عرف ظُلم البشر وقساوتهم منذ ولادته حيث رفضت بيوت بيت لحم استقبال ولادته واضطهده هيرودوس الملك فأصبح لاجئاً مع عائلته الأرضية.
لا نزال نعيش أزمنة حروب وضيقات، وخاصة في بلادنا المشرقية التي شهدت ميلاد الفادي يسوع المسيح.
تحيط بنا أحداث فظيعة من قتل ودمار واضطهاد وتعذيب.
ولكنّنا نحتفل بالعيد بالرغم من آلام هذه الأحداث والأزمات، بل نستمدّ الأمل من طفل المغارة الذي ينير ظلمة هذا العالم ويُشرق عليه بنور محبّته وبهاء مجده.
وعلى هذا الرجاء، نذكر بالصلاة أخوَيْنا الجليلين بولس يازجي ومار غريغوريوس يوحنا إبراهيم، مطرانَي حلب المخطوفين منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات ونصف، ليعودا سالمَين إلى حلب التي لا تكمل فرحة تحريرها بدون عودتهما إليها وسائر الأسرى والمخطوفين.
ونتقدّم بالتهاني الأبوية القلبية من أبنائنا الروحيين كافة في جميع أبرشياتنا السريانية الأرثوذكسية في العالم بمناسبة عيدَي الميلاد المجيد ورأس السنة.
ونصلّي أن يكون العام الجديد عاماً يحمل السلام للمسكونة قاطبة وأن يُنعِم الربّ الإله على الجميع بالأمن والطمأنينة والصحة والنجاح.
وكلّ عام وأنتم بخير