تحت عنوان “بيان وزاري تأسيسي.. لحكومة حريرية مؤقتة!” كتب دولة الرئيس ايلي الفرزلي في صحيفة “السفير”: ستنال حكومة “استعادة الثقة” ثقة المجلس النيابي بأغلبية ساحقة، لكن حتى الآن يصعب تصور استعادتها الثقة الشعبية.
تريد حكومة التناقضات والمصالح استعادة ثقة الناس من خلال بيان وزاري وضعته على عجل.
بيان لا جدية فيه سوى بلاغته الإنشائية برغم الأخطاء المطبعية التي تضمنها، على ما أعلن الرئيس نبيه بري.
أخطاء مطبعية يصدف أنها تطال القضايا الإشكالية في البلد فقط.
فالحماسة لإنجازه جعلت من تولوا إعداده لا يلاحظون أن المنطقة البحرية الجنوبية هي في المنظور الرسمي منطقة لبنانية، وليست متنازعا عليها، كما ورد في البيان الوزاري.
فكان أن أعلن عن التصحيح في بداية الجلسة، حيث استبدلت العبارة – السقطة بالتأكيد على “حق لبنان الكامل في مياهه وثروته من النفط والغاز، وبتثبيت حدوده البحرية في المنطقة الاقتصادية الخاصة”.
والتسرع نفسه أسقط “المحكمة الدولية” من البيان الوزاري، فوزّعت نسخة جديدة منقحة، تتضمن فقرة تؤكد حرص الحكومة على جلاء الحقيقة ومتابعتها مسار المحكمة التي أنشئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة.
وبدت كلمة “مبدئياً” نافرة واسترعت اهتمام عدد من النواب وتهكّمهم، لما فيها من إشارات عن تخلٍ نسبي من رئيس الحكومة عن حماسته للمحكمة ولعدالتها، التي مر عليها بحسب العدّاد المثبّت في منطقة القنطاري إلى جانب صورة ضخمة للرئيس الشهيد رفيق الحريري، أكثر من ألف يوم، من دون أن تقدم أي أمل بالعدالة ومعرفة حقيقة قتلة الحريري.
ويتعلق التعديل الأخير بالقرار 1701.
كانت الحكومة تؤكد “احترام المواثيق والقرارات الدولية كافة بما فيها قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701″، فصار للقرار 1701 حيز خاص بالتزام الحكومة به وليس فقط احترامه كجزء من القرارات الدولية.
عاد الرئيس سعد الحريري مبدئياً إلى رئاسة الحكومة، وإن كان واثقاً بأنه سيتحول إلى رئيس حكومة كامل الصلاحية بعد نيل حكومته الثقة.
وقف على المنبر نفسه الذي اعتلاه في عام 2009 وتلا البيان الوزاري لحكومته. وهو بيان يستحق أن يكون برنامجاً لعهد كامل..
خطاب قسم ثانٍ، لكنه حكماً ليس بياناً وزارياً لحكومة 6 أشهر، كان رئيسها قد أعلن، فور تشكيلها، أنها حكومة انتخابات.
وإذ ببيانها يطال كل ما يخطر وما لا يخطر ببال أحد، فيتعهد أو يلتزم بـ: تسهيل بيئة العمل الاقتصادي، تعزيز دور القطاعات الإنتاجية، التخطيط للإصلاحات والمشاريع البنيوية، إصدار مراسيم النفط، تعزيز اقتصاد المعرفة، معالجة ملفات الكهرباء والماء والنفايات وأزمة السير وتلوث نهر الليطاني، تأمين حق الطبابة والتعليم للجميع، استكمال البرنامج الوطني لمكافحة الفقر، وضع استراتيجية عامة لمكافحة الفساد، ملء الشواغر، إنهاء ملف المهجرين، تأمين مستلزمات الأجهزة الأمنية والعسكرية، وضع استراتيجية لمكافحة الإرهاب، متابعة مسار المحكمة الدولية، تحرير الإمام موسى الصدر وأخويه، إقرار قانون جديد للانتخابات، إقرار اللامركزية الإدارية، تعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة، تحرير ما تبقى من أراض لبنانية محتلة وحماية الوطن من العدو وأطماعه، العمل مع المجتمع الدولي لمواجهة أعباء النزوح السوري، تعميق الشراكة مع المجتمع المدني، تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية والعمل على إدراج الكوتا النسائية في قانون الانتخاب..
كم تحتاج هذه العناوين لتنفيذها ؟ وهل لحكومة وحدة وطنية أن تستخف بعقول اللبنانيين، إلى درجة رمي الوعود يمنة ويساراً، مع معرفة جميع مكوناتها باستحالة تنفيذ ربع هذه الوعود ؟
الخفة والتسرع نفساهما جعلا معدي البيان لا يميزون بين دور الحكومة ودور الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان.
أبدت الحكومة في بيانها الحرص على تعيين أعضاء الهيئة لتنفيذ الخطة الوطنية الموضوعة، وفاتهم أن الهيئة مستقلة ومهمتها ليست تنفيذ خطة الحكومة بل مراقبتها!
بعيداً عمّا تضمنه البيان الوزاري الذي سيوضع في الأرشيف منذ لحظة نيل الحكومة الثقة، فإن المطلوب من الحكومة الحالية ليس كثيراً، في ظل عمرها المحدود.
إقرار قانون الانتخاب وإجراء الانتخابات في موعدها يعتبر إنجازاً كبيراً..
وهو الوعد الذي تثق قلة بإمكان تحقيقه.. إلى جانب الوعد بإعداد مشروع الموازنة العامة. فيما يُتوقع أن تكون التعيينات الإدارية أنجح الملفات التي ستنجز، لأسباب انتخابية في معظمها، إضافة إلى مراسيم النفط.
في جلسة أمس، ضاعت الكلمات بين السياسة والإنماء.
أربك النقل المباشر الساعين إلى اختصار الوقت وإنهاء جلسة الثقة في يوم واحد.
كادت مساعي النائبين إبراهيم كنعان وجورج عدوان تذهب هباءً بعد إصرار أكثر من نائب في كتلتيهما على الحديث، ما أدى إلى توترات كلامية بين الطرفين وداخل كل من الكتلتين.
لكن برغم بعض الخروق، إلا أن جلسة الثلاثة أيام، ضُغطت حتى تنتهي في يوم واحد، بعدما شطب كثر أسماءهم من لائحة طالبي الكلام، ليرفع الرئيس بري الجلسة المسائية بعد 22 متحدثاً، أعطوا جميعهم، بما يمثلون، الثقة إلى الحكومة، فيما حجبها حزب “الكتائب” (خسمة نواب) والنائب خالد ضاهر، الذي كان الأكثر استفزازاً على ان يتم التصويت اليوم على الثقة، بعد كلمة جوابية للحريري.
(ايلي الفرزلي – السفير)