مَن يريد إفشال العهد ؟ ولمصلحة مَن الإيحاء بأن الفساد أقوى من الدولة ؟ وهل يحق لإدارة رسمية، غير مكتملة الأعضاء، ولشركة تعهدات، أن لا تكون قراراتهما شفافة ؟ ومَن يحق له التلاعب بسمعة لبنان في مجال سلامة الطيران المدني ؟ هل كل ذلك من أجل التغطية على قرارات ما؟ وماذا، لا سمح الله، لو وقعت كارثة سقوط طائرة من جراء دخول طائر النورس أو غيره في أحد محركات تلك الطائرة ؟ ألا تسقط كل المصداقيات عندها ؟
الخطر داهم لكنه ليس وليد ساعته.
في آب الماضي خصص الزميل مرسال غانم حلقةً من برنامجه الرؤيوي “كلام الناس” عن سلامة الطيران المدني وخطورة مكبّ الكوستابرافا، وبث مشاهد حصرية من الجو تُظهر كيف ان أمكنة تجميع النفايات تكاد أن تكون ملاصقة للمدرجات، واستضاف أحد أعرق الطيّارين في شركة طيران الشرق الأوسط الذي تحدث عن المخاوف والمخاطر.
كل ذلك قبل ستة أشهر ونيف، وآنذاك لم يُحرّك أحدٌ من “حكومة الفراغ” ساكنًا، فيما الخطر ما زال داهمًا وجاثمًا على المدرجات وعند لحظات الإقلاع والهبوط.
الأربعاء الماضي غرّد النائب وليد جنبلاط فكتب: “أيًا كان الثمن، يجب ابعاد مكب النفايات عن مطار بيروت كي لا تقع الكارثة. بالأمس شارفنا عليها على لحظة”.
ماذا قصد جنبلاط بقوله “شارفنا على الكارثة”؟ هو كان عائدًا من المغرب، فهل حصل شيء وجرى التكتم عليه؟ ثم أتبع تغريدته بسلسلة من التغريدات كتب فيها:
ان الأخطار على الطيران المدني متعددة ومتنوعة، نهر الغدير ومكب الكوستابرافا، وجريمة اغفال احدهما، وان محاولة التخفيف من خطر المكب هو بدعة وتحايل على الرأي العام. وعندما تقع الكارثة لا نفع للندم.
بعد هذا السيل من التحذيرات، بدأ مجلس الإنماء والإعمار بالتحرّك، ولو بتأخير سبعة أشهر عن حلقة “كلام الناس”. وهنا يُطرَح السؤال: لماذا تغاضى هذا المجلس عن التحرّك؟ مَن كان يريد أن يحمي أو يُغطّي؟ وأي متعهد بالتحديد؟
وتتوالى الأسئلة حول الوضع المريب: ما الذي أملى على مجلس الإنماء والإعمار الاستعانة بخبير فرنسي؟ أليس في لبنان من خبراء محايدين؟
وجهُ الغرابة في الأمر ان الخبير الفرنسي Henri MILLET وصل الى بيروت الاثنين في التاسع من هذا الشهر، ووضع تقريره في الثاني عشر منه، فكيف في غضون يومين استطاع اجتراح “معجزة وضع التقرير في يومين”؟ كيف بهذه السرعة القياسية جال على الكوستابرافا ومجرى ومصب نهر الغدير ليخلص الى “تبرئة الكوستابرافا وتجريم نهر الغدير”.
المعجزة التي برّأت المطمر وجرّمت النهر والمصب، أشارت الى ان مجرى نهر الغدير تحوّل الى شبه مجرور مكشوف ترمى فيه مختلف أنواع المخلفات والنفايات، وأن مصب نهر الغدير قريب من المدرج الغربي للمطار.
هنا يُطرَح السؤال الكبير: أين هي الأموال التي رصدها مجلس الإنماء والإعمار لتنظيف نهر الغدير ومعالجة المجارير التي تصب فيه؟ ملايين وصلت الى مجلس الإنماء والإعمار، لهذه الغاية، وهي كانت على شكل قروض ميسرة وهبات، سواء من صندوق التنمية الكويتي أو من المانيا أو من غيرهما، فأين هذه الأموال؟ اذا كانت ما زالت في حسابات مجلس الإنماء والإعمار، فلماذا لم تُصرَف بعد؟ واذا كانت صُرِفت، فأين وجه صرفها؟
لم ينتهِ التقرير – الفضيحة عند هذا الحد بل أضاف ان من عوامل تجمع النورس تجمع مياه الأمطار داخل حرم المطار.
هنا المواطن يسأل: “هل يجرؤ أحد ويسأل كيف أصبح داخل حرم المطار بركتين كبيرتين للماء تجذبان الطيور؟ وهل سحب الرمول تسبّب بالبركتين؟
الموضوع ليس بحاجة الى تفتيش، هناك متعهد سحَبَ الرمول وتسبب بحفرتين تتجمّع فيهما المياه. هذا ما تقوله مصادر عليمة جدًا بهذه الكارثة.
في المحصّلة، فخامة الرئيس ميشال عون ودولة الرئيس سعد الحريري، ضعا يدكما على الملف: هناك ادارة رسمية متورطة، وهناك متعهد تغطّيه هذه الإدارة، ولا يقلّ تورطًا.
كل الآمال معلقة على عهد عون – الحريري، للكشف والمحاسبة وتحسين وجه لبنان الذي كان الأكثر حضارة، وتدهور الى جلب صيادي طيور يمدونهم بالخرطوش لاصطياد النورس المتفشي حول سلامة مطار رفيق الحريري الدولي.
الهام سعيد فريحه