يبقى السؤال الملح والأهم برسم “العهد الجديد” هو تجسيد الإصلاح والتغيير المجاهَر به عبر اعتماد المحاسبة وإرساء سلطلة القانون حيث لا ضمانات تحمي أحداً من الفاسدين، بعدما وصلت البلاد إلى حد الإفلاس والفوضى المطلقة نتيجة تفشي الفساد بشكل غير مسبوق.
أما أي غض للنظر عن أي من هذا فهو بمثابة دق الإسفين الأخير في نعش الوطن المترهل.
وأمام عجز السلطة السياسية الحالية وتقصيرها في ملاحقة ملفات إدارية فاضحة تهدد كيانها بحد ذاته، يبقى لنا – كمواطنين بالحد الأدنى –الحق الكامل لا بل الواجب بأن نتدخل فورا، أفرادا أو مجموعات، لتسليط الضوء على التجاوزات غير القانونية وغير الأخلاقية أمام الجهات القضائية في الوقت الذي تعاني فيه الدولة من الشلل والعجز، إذ لا يحق في هذه الحالة للقضاء تجاهل الشكاوى والادعاءات وعدم تحريك الحق العام وإلا وقع في التواطؤ مع مرتكبي الهدر والاختلاس واستغلال النفوذ، وهذا أخطر من تلك الجرائم نفسها إذ لا يبقى أمام الناس سبيل سوي لإحقاق الحق والعدالة ويصبح عندها كل شيء جائزاً بعد تكريس الفساد (وتشريعه)!
إن خير مصداق للخلل المبسوط أعلاه هو أزمة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، هذه المؤسسة التي بنيت بجهد وتعب العمال لأجل ضمان حياتهم، انتهت بمغارة من الفساد لا ينفك السماسرة والنافذين يسرقون صندوقها بوقاحة وازدراء غير آبهين بمصير أكثر من مليون ونصف عامل.
وإن خير مسؤولية أمام هذا الواقع المتفاقم تجلت بالشكويين اللتين تقدمت بهما مجموعة “لهون وبس” عبر وكيلها المحامي رامي عليق أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت ضد مدير عام الصندوق “محمد كركي” ورئيس اللجنة الفنية فيه “سمير عون” بتهم الإهمال في الأداء الوظيفي واستغلال النفوذ وهدر واختلاس وتبديد الأموال العمومية، على الرغم من الغطاء السياسي النافذ لكل منهما، مما جعل هذه الخطوة غير المسبوقة تتحول إلى صدمة إيجابية مدوية كان لها أثرها الهام في نفوس الناس وموظفي الضمان الذين داقوا ذرعاً بتجاوزات رؤسائهم بعد أن منعهم الخوف تحريك أي ساكن،
طارحة الرهان على القضاء كملاذ أخير قبل تفشي الفوضى العارمة، رغم العجب من خطوة النائب العام المالي حفظ الشكوى ضد “كركي” بعد أن كان تعهد الاشراف على التحقيق بنفسه نظراً لأهمية الملف المدعّم بالوثائق والمستندات، ما طرح بقوة مسألة حماية بعض القضاء للمرتكبين “الكبار” أو “المحميين”، ومنهم أيضاً “سمير عون” رئيس اللجنة الفنية في الضمان، هؤلاء الذين أضحوا أمثولة في استغلال النفوذ وتجاوز حد السلطة وهدر واختلاس الأموال العمومية بطرق احتيالية.
إن “لهون وبس” قد تفاجأت بقرار قاضي التحقيق في بيروت فؤاد مراد بتاريخ اليوم رد الشكوى على “كركي” شكلاً لعدم صفة المدعي بلال مهدي (مواطن لبناني متضرر حكماً، مادياً ومعنوياً، من تبديد واختلاس أموال الصندوق – الأموال العمومية – مما يجعله صاحب صفة ومصلحة في الشكوى)، وذلك بعد امتناع النيابة العامة المالية القيام بواجبها الادعاء على المرتكبين، في خطوة لا تُستقى إلا تشريعاً للفساد وحماية مرتكبيه “المحظيين”، علماً بأنها ستتمسك بسلوك الطرق القانونية من خلال استئناف القرار المذكور ومن خلال الإصرار على تحمل النيابات العامة لمسؤولياتها الأساسية ألا وهي حماية الحق العام الذي ينتفي مع غيابه جوهر وجودها، غير آبهة بكل التهويل الصادر عن المدعى عليهم ومن يحتضنهم معتبرة أن دفع رسوم ومصاريف الدعاوى القضائية من جيوب أفرادها المتواضعة جداً هو واجب ومسؤولية وطنية تمثل ضمير كل لبناني حر، ومؤكدة على وجود الكثير من المعطيات والوثائق وعلى السير في كشف ملفات الفساد حتى النهاية، محملة كل قاضٍ متواطئ مع المرتكبين مسؤولية التمادي في استفحال الفساد.
كما دعت المجموعة الجهات السياسية التي ينتسب إليها كل من “كركي” و”عون” إلى التبرء من أعمالهما المشينة بدل غض النظر واللجوء إلى بيانات تغطي المرتكبين، في إشارة إلى بيان الحزب السوري القومي الإجتماعي في 19/11/2016، وبدل حماية الفاسدين وناهبي المال العام .ولقمة عيش الناس، منذرة بالتصعيد بكل الوسائل التقليدية وغير التقليدية في حال تخلى القضاء عن مسؤولياته.
لهون وبس
مجموعة حراك مدني