اعد النائب الدكتور نقولا فتوش دراسة حول القانون المختلط رأى فيها ان “هذا القانون يقسم المجتمع ويميز في المعاملة بين المواطنين”، وجاء في نص الدراسة: “القانون المختلط يعتمد معايير مختلفة في تقسيم الدوائر الانتخابية، ويخضع فئة من المواطنين إلى النظام الأكثري، وفئة للنظام النسبي وهذا تقسيم للمجتمع وتمييز في المعاملة بين المواطنين، ناخبين أو مرشحين في الحقوق والفرائض، ويتنافى مبدأ المساواة من زاوية عدم إعطاء كل صوت من أصوات المقترعين القيمة الاقتراعية ذاتها، ومن زاوية عدم التوازن في التمثيل السياسي.
كما أن هذا القانون يخالف الخصائص الرئيسية لحكم القانون فسيادة القانون تعني أن جميع الأشخاص (أفرادا وحكومة) دون استثناء خاضعون للقانون.
وهذا ما كرسته المادتان 7 و 12 من الدستور ومخالف لمفهوم العدالة التي تفرض المعاملة المتساوية بين الناس والحكومة، فحكم القانون يحتم خضوع الحكومة للقانون لا خضوع القانون للحكومة.
“…. إن الشرع الإسلامي كرس أيضا مبدأ “الشرعية”، بأن أوجب تقيد الدولة “وأربابها بأحكام الشريعة. ولم يفرض طاعة المواطنين للدولة بما يخالف “هذه الأحكام.
فجاء في الحديث الشريف: السمع والطاعة حق ما لم يؤمر “بمعصية. فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة، “لا طاعة لمخلوق في “معصية الخالق “.
– صحيح البخاري بشرح العيني ج 14 ص 221. وضحيح مسلم ج 6 ص 15، والجامع الصغير للسيوطي ج 2 رقم 9903.
– صبحي المحمصاني، أركان حقوق الإنسان دار العلم للملايين 1979 ص 94
“إن مبدأ سيادة القانون لا يختلف في معناه عن مبدأ الدولة القانونية الذي “تحرص الدولة العصرية على اعتماده كخاصة من خصائصها الجوهرية …
وحكم القانون في برنامج الأمم المتحدة تضمن على أنه:
“يستلزم حكم القانون حماية متساوية لحقوق الإنسان العائدة إلى الأفراد “والجماعات، كما يستلزم فرض عقوبات متساوية وفق القانون.
وهو “يسود على الحكومات، ويؤمن معاملة جميع المواطنين بالتساوي، وان “يكونوا خاضعين للقانون لا لمشيئة القوي. وعلى القانون أن يحمي “الجماعات الضعيفة من الاستغلال والتعسف.
Le droit constitutionnel est l’ensemble des règles de droit qui déterminent la composition, le mécanisme, et les compétences ou pouvoirs des organes supèrieurs de l’Etat : gouvernants et peuples. Ces règles ont pour but, dans les régimes politiques libéraux, et particulièrement dans les régimes politiques libéraux et démocratiques, d’assurer la suprématie du droit (the rule of law) sur les gouvernants (parlement, gouvernement, chef de l’Etat et pouvoir juridictionnel) et même sur la majorité du peuple, et, par suite, de garantir la liberté : le règne du droit.
– Jacques Cadart, Institutions politiques et Droit Constitutionnel, Economica, 1990 p 15 et 16
Le droit, c’est un ensemble de règles de conduite qui dans une société donnée et plus moins organisée, regissent des rapports entre les hommes.
Les ” droits ” ce sont les prerogatives que le ” droit ” ou droit objectif- reconnait à un individu ou à un groupe d’individus
– Francois Terré. Introduction générale au droit. Dalloz. 2000 n° 3 – P.3
هذا ومبدأ سيادة القانون يبدو شبيها لمبدأ سيادة الشريعة في الإسلام. حيث كان لا يعتبر صالحا كل عمل يأتي به الفرد، أكان من الحكام أو الرعية إلا إذا كان موافقا لأحكام الشريعة.
– إدمون رباط الوسيط في القانون الدستوري، الجزء الأول، الدولة وأنظمتها، بيروت 1968 صفحة 188 و189.
وهذه الصيغة من صيغ الدولة القانونية تلتقي مع ما يسميه Carré de Malberg “الدولة الشرعية، دولة حكم القانون” فيقول حرفيًا:
“الدولة التي يفترض أن يكون كل عمل من الأعمال الصادرة عن سلطاتها “الإدارية متصلا بقانون ما، وضامنا تنفيذ هذا القانون.
فحكم القانون هو أمر أساسي في النظام الديموقراطي قال أرسطو منذ ما يزيد عن ألفي سنة: “حكم القانون أفضل من حكم الفرد، أيا كان.
ويضيف أرسطو حول العدل في القانون: “العدل يجعلنا نحترم القوانين والمساواة”.
وكما يقول ابن خلدون: “الظلم مؤشر بخراب العمران “.
رئيس المحكمة العليا لورد كوك قال مقتبسا براكتون في إعلان 1610: “إن الملك نفسه لا يجب أن يكون خاضعا لإنسان، ولكن أن يكون خاضعا لله “وللقانون، لأن القانون يجعله ملكا.
والقانون هو قاعدة قانونية عامة مجردة لها القوة الإلزامية على الجميع ويقصد بذلك صياغتها بحيث تخلو من الصفات والشروط الخاصة التي قد تؤدي إلى تطبيقها على شخص معين بذاته أو على واقعة محددة بعينها.
– عبد الناصر العطار، مبادئ القانون، 1969، ص 18، منصور مصطفى منصور، المدخل للعلوم القانونية، 1970، ص 26
ويقصد بعموم القاعدة القانونية أنها تسري على جميع الأشخاص المخاطبين بحكمها وعلى جميع الوقائع التي تدخل في مضمونها.
وصفة العمومية والتجريد تحقق مبدأ سيادة القانون ومبدأ المساواة أمام أحكامه.
فهذه الصفة والتجريد تؤدي إلى تطبيق أحكام القانون على الجميع دون تفرقة أو تمييز وذلك بناء على أن القواعد الفردية (وهي عكس القواعد التي تكون عامة مجردة) إذ تصدر من أجل اشخاص معينين بذواتهم لا بأوصافهم .. لا تحقق المساواة … بين جميع المواطنين. وتظهر هذه الخاصية بصورة أوضح في مجال القانون العام حيث يترتب عليها وجوب اتخاذ السلطات العامة في الدولة قراراتها بناء على قواعد قانونية موضوعة سلفا وواحدة بالنسبة لجميع المواطنين.
وهذا هو ما يسمى بمبدأ الشرعية، مما يحول دون الخوف من أن يعمل القانون لمصلحة شخص معين أو للإضرار به، فتسود بالتالي الطمأنينة بين المواطنين وتتحقق المساواة فيما بينهم.
والتعميم في القاعدة القانونية لا يقتصر على سلوك الأفراد، وإنما يمتد إلى السلطات العامة في الدولة مما يقتضي إخضاعها لأحكام القانون. فصفة العمومية في القاعدة القانونية تقتضي سريان أحكامها على الجميع حكاما ومحكومين، فتكون السيادة للقانون، حيث يحكم القانون كل تصرف أو إجراء تصدره أية سلطة داخل الدولة.
وإذا كانت العمومية والتجريد في القاعدة القانونية تحقق المساواة بين المواطنين، فهي في ذات الوقت تؤدي إلى تحقيق العدل بينهم. فالمساواة أمام القانون وأمام القضاء قاعدة أساسية يؤدي خرقها إلى زعزعة المفهوم المعالج.
أما في لبنان فقد نصت الفقرة “ب” من مقدمة الدستورعلى ما حرفيته:
“لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول “العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم “المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسد الدولة “هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء.
أضيفت هذه المقدمة إلى الدستور اللبناني بموجب القانون الدستوري الصادر في 21/9/1990.
هذا وقد نصت ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما حرفيته:
“لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية “وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.
“ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية “آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم “يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة.
“ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا “يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم.
كما نصت المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما حرفيته:
“لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا “الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو “اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو “الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين “الرجال والنساء. وفضلا عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه “الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها “الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلا أو تحت الوصاية أو “غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود.
كما نصت المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما حرفيته:
“كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة “عنه دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية ضد أي “تميز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا.
كما نصت المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما حرفيته:
1) “لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة “وإما بواسطة ممثلين يختارون اختيارا حرا.
2) “لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.
3) “إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة “بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم “المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت.
كما نصت المادة 30 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما حرفيته:
“ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو “جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم “الحقوق والحريات الواردة فيه.
هذا وفي لبنان نصت المادة السابعة من الدستور على ما حرفيته:
“كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق “المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق “بينهم.
كما نصت المادة 12 من الدستورعلى ما حرفيته:
“لكل لبناني الحق في تولي الوظائف العامة لا ميزة لأحد على الآخر إلا “من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينص عليها القانون “وسيوضع نظام خاص يضمن حقوق الموظفين في الدوائر التي ينتمون “إليها.
بتاريخ 11/7/1996 صدر القانون رقم 530 معدلا بعض أحكام قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب.
وعلى أثر ذلك، تقدم عدد من النواب بمراجعة ترمي إلى إعلان بطلان المادة الثانية الجديدة من هذا القانون لتمييزها الدوائر الانتخابية بعضا عن بعض، إذ نصت على ما يلي:
تتألف الدوائر الانتخابية وفقا لما يلي :
– “دائرة محافظة بيروت
– “دائرة محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية.
– “دائرة محافظة لبنان الشمالي.
– “دائرة انتخابية واحدة في كل قضاء من محافظة جبل لبنان.
في قراره رقم 4/96 تاريخ 7/8/1996 أبطل المجلس الدستوري المادة الثانية المطلوب إبطالها معتبراً أن القانون المطعون فيه اعتمد معايير مختلفة في تقسيم الدوائر الانتخابية (محافظة، أكثر من محافظة معا، كل قضاء وحده في إحدى المحافظات) مما يتنافى ومبدأ المساواة من زاوية عدم إعطاء كل صوت من أصوات المقترعين عن القيمة الاقتراعية ذاتها، ومن زاوية عدم التوازن في التمثيل السياسي.
– المجلس الدستوري قرارات 1994-1997، ص 59.
وقد وردت في القرار الحيثية الآتية:
“وحيث إن هذا القانون قد اعتمد في المادة الثانية الجديدة منه مقاييس “مختلفة في تحديد الدوائر الانتخابية وأوجد تفاوتا فيما بينها، وميز في “المعاملة بين المواطنين، ناخبين أو مرشحين، في الحقوق والفرائض، دون “أن يكون ذلك على سبيل الاستثناء الذي قد تدعو إليه وتبرره ظروف “طارئة ملحة، مما جعل هذا القانون مخالفا لمبدأ المساواة الذي “نصت عليه المادة السابعة من الدستور وأكدته مقدمته.
بتاريخ 27/10/1999 صدر القانون الرقم 140 (قانون التنصت) الذي تم الطعن ببعض مواده من قبل عدد من النواب، ومنها المادة /15/ التي منعت اعتراض المخابرات التي يجريها الرؤساء والوزراء والنواب سواء تم هذا الاعتراض بناء على قرار قضائي أو بناء على قرار إداري.
أبطل المجلس الدستوري بقراره رقم 2/99 تاريخ 24/11/1999 المادة /15/ من القانون المطعون فيه لمخالفتها مبدأ المساواة بين المواطنين.
– المجلس الدستوري قرارات 1997 – 2000، ص 410
ومما ورد في هذا القرار:
“وبما أن تمييز رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء والنواب “والوزراء عن بقية المواطنين في معاملتهم تجاه قانون التنصت الذي “يجري بناء على قرار قضائي غير مبرر لا بمصلحة عامة تستدعي “هذا التمييز ولا بوجوج نص دستوري يسمح به.
وبما أن المادة 13 من القانون رقم 250 تاريخ 14/07/1993 نصت على ما حرفيته:
“تتمتع القرارات الصادرة عن المجلس الدستوري بقوة القضية المحكمة “وهي ملزمة لجميع السلطات العامة وللمراجع القضائية والإدارية.
إن “قرارات المجلس الدستوري مبرمة ولا تقبل أي طريق من طرق المراجعة “العادية أو غير العادية.
وعليه يكون الحديث عن قانون مختلط مخالف للقضية المحكمة وممنوع على المجلس النيابي دراسة أي قانون انتخابي يخالف مبدأ المساواة.
وخير ما نختم به هذا الرأي المحق والدامغ العهد الذي كتبه الإمام علي عليه السلام للأشتر النخعي واليه على مصر وفيه أنه:
“إنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده، وفيه “كذلك أن على الوالي أن ينصف الله وينصف الناس من نفسه، وأن أفضل “قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد، وظهور مودة الرعية.
وانه “ليس على الحاكم أن يخص نفسه بشيء يزيد به عن الناس مما يجب “فيه المساواة في الحقوق: وإياك والاستئثار بما الناس فيه أسوة…”.
فالقانون المختلط الذي يتشدق به البعض هو مخالفة جسيمة للمادة السابعة من الدستور، ولمبدأ المساواة، ولا يمكن الحديث عن قانون مختلط إلا بإلغاء المادتين 7 و 12 من الدستور، والمادة السابعة من شرعة حقوق الإنسان والتعرض للقضية المحكمة مخالفة قانونية جسيمة”.