نشر موقع مجلة “أميريكان إنترست” قائمة بأقوى ثماني دول لعام 2017.
هنا عرض لهذه الدول وأسباب وضعها في هذا الترتيب.
1. الولايات المتحدة الأمريكية
ما زالت الولايات المتحدة، بحسب الموقع، أقوى دولة على وجه الأرض، كما هو الحال منذ القرن الماضي. ويرجع موقع “أمريكيان إنترست” هذه الصدارة إلى الاقتصاد الديناميكي لأميركا، واستقرارها الدستوري (حتى مع شهودنا لعصر ترامب)، والصف الطويل من حلفائها وشركائها (والذي يشتمل على 5 من أصل 7 من القوى العظمى المذكورة في هذا التقرير)، وتفوقها العسكري الساحق.
وبحسب الموقع، فلم تزدد القوة الأميركية خلال العام الماضي، بل ربما يكون عام 2016 أسوأ عام لإدارة باراك أوباما، إذ جلب معه سلسلة من الإخفاقات في السياسات الخارجية التي زادت من تقويض المصداقية الأمريكية في العالم. ففي سوريا، ساعدت روسيا، بوحشية، الرئيس بشار الأسد في تعزيز سيطرته على حلب، وهمشت واشنطن في محادثات السلام التي تلت ذلك. واستمرت الصين في تحدي النظام العالمي الذي تقوده أمريكا، فعززت من حضورها العسكري في بحر الصين الجنوبي، وصولًا إلى حلفاء أمريكيين مثل الفيليبين. أما إيران ووكلاؤها فقد واصلت صعودها في الشرق الأوسط، بينما زاد تشكيك السنة وإسرائيل في فائدة الحلف مع الولايات المتحدة. وفي غضون ذلك، فإنَّ وجهة النظر الخارجية الشائعة أنَّ دونالد ترامب غير مؤهل ليكون رئيسًا للولايات المتحدة، ساهمت في زيادة الشك الجماعي في امتلاك الشعب الأميركي للذكاء والحكمة الكافيين للحفاظ على مكانة بلادهم العالمية. وبدا أنَّ هذه المخاوف قد زادت في الأسابيع الأولى من 2017.
حتى على المستوى الداخلي، فإنَّ قادة أمريكا لم يفعلوا الكثير لمعالجة المشكلات الاقتصادية العاجلة للبلاد، كما لم توح قيادتهم بالكثير من الثقة في إمكانية قيام التعاون الحزبي الفعال بين الديمقراطيين والجمهوريين. وقد أظهرت موجة الصعود الشعبوي، التي كادت أن تعطي الترشيح الديمقراطي للسيناتور الاشتراكي بيرني ساندرز، وجلبت دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مدى اغتراب الكثير من الأمريكان، كعادتهم، عن السياسة. سوف يراقب الأجانب الولايات المتحدة عن كثب في عام 2017 ليروا إلى أي مدى سوف تؤثر هذه الانقسامات الداخلية على رغبة البلاد وقدرتها على تنفيذ أجندة عالمية واسعة.
ومع ذلك، فمن بين كل هذه الكآبة، كان هناك بعض الأخبار الجيدة. فعمليات التكسير كانت هي الهدية المستمرة، إذ تفوقت الولايات المتحدة على السعودية وروسيا وأصبحت البلد صاحب أكبر الأصول النفطية في العالم، واكتشفت الشركات الأمريكية طرقًا إبداعية جديدة لتعزيز إنتاجهم. واستمر الاقتصاد في تصاعده المطرد، وانخفضت معدلات البطالة إلى نسبة أقل مما كان عليه الحال قبل الأزمة المالية، وانتهى العام بزيادة كبيرة في معدلات فائدة البنك الفدرالي، وهو الأمر الذي اعتبر تصويتًا على الثقة في مرونة الاقتصاد، بحسب الموقع.
ومع وصول إدارة ترامب إلى سدة الحكم، فإنَّ الولايات المتحدة تستعد لما قد يكون أهم تحول في السياسة الأمريكية في عدة أجيال. سوف يبني ترامب على التقدم الذي حدث في بعض الأمور مثل ثورة النفط الصخري، أما في بعض الأمور الأخرى، مثل التوسع البحري الصيني أو البنية التحتية الداخلية، فقد تؤدي سياساته إلى تغيير مرحب به، وفي مواضيع أخرى، فإنَّ اندفاع ترامب قد يسفر عن عواقب خطيرة يخشى منها منتقدوه.
2. الصين
بحسب مجلة “أميريكيان إنترست”، فقد عززت الصين، في عام 2016، من مكانتها باعتبارها ثاني أكبر قوة في العالم، وأكبرَ التحديات التي تواجه الولايات المتحدة على المدى البعيد. إذ أظهرت الصين قوتها، في مقابل السلبية الأمريكية، في بحري الصين الجنوبي والشرقي، وراكمت من قواعدها العسكرية الاصطناعية، وأسقطت طائرة أمريكية بدون طيار بنهاية العام. وإلى جانب الإجراءات القوية للصين، فقد حظيت هي الأخرى بضربات حظ في 2016، بدءًا من انتخاب الشعبويين القريبين من الصين في الفلبين، إلى نهاية الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهو الأمر الذي من شأنه أن يسمح بمنح الصين فرصة جديدة لأن تكون هي من يحدد أجندة التجارة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ووفقًا المجلة، فقد استمرت الصين في المبادلة بين تخويف جيرانها ومغازلتهم، وأحرزت بعض الانتصارات رفيعة المستوى في تلك العملية. كان أبرز هذه الانتصارات انقلاب الأمور في مانيلا، حيث ارتمى الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي في أحضان الصين: جزئيًا بسبب معاداته لأمريكا، ولكن أيضًا بفضل الدعم الصيني لحملته المعادية للمخدرات ووعده بعقد روابط تجارية مربحة ومذكرات تفاهم ثنائية حول بحر الصين الجنوبي. كما استغلت الصين، بحكمة، خيبة أمل رئيس الوزراء الماليزي، في الولايات المتحدة لسحبه أكثر ناحية مدار بكين، في الوقت الذي استمرت فيه مساعيها لعقد روابط أدفأ مع تايلاند وكامبوديا.
3.اليابان
يقول التقرير إنَّ اليابان قوة عالمية لطالما لم ينتبه إلى قدرها الحقيقي، ونفوذها في ازدياد مطرد خلال السنوات القليلة الماضية. شهد عام 2016 تنامي هذه النزعة، بفضل الدبلوماسية الذكية التي ينتهجها رئيس وزرائها شينزو آبي، والقلق المستعر من العدوان الصيني الذي دفع الكثير من جيرانها ناحية تعاون أكبر مع طوكيو.
استمرت اليابان، في 2016، في أن تكون في طليعة المعارضين للصين، فقاومت الغارات الصينية، وسعت إلى الشراكة مع دول آسيوية أخرى يزعجها صعود الصين. وزادت اليابان، في منطقتها في بحر الصين الشرقي، من قوة ردعها وأعلنت عن خطط لنشر درع صاروخي باليستي تكتيكي، واتخذت طوكيو موقفًا أكثر حزمًا في نزاع بحر الصين الجنوبي (الذي ليست طرفًا فيه) حيث سعت إلى حشد المطالبين الذين ضاقوا ذرعًا هم أيضًا بالعدوان الصيني. التهديد الذي تشكله كوريا الشمالية أيضًا قوّى من اليابان، وسمح لطوكيو وسيول بإيجاد أرضية مشتركة لتوقيع اتفاقية للدفاع الصاروخي المشترك واتفاقية المشاركة الاستخباراتية التي أغضبت بكين. أيضًا تركت اليابان بصمة بعمل اتفاقية نووية مدنية مع الهند واستمرت في توطئة الأجواء لشراكة واعدة مع نيودلهي.
لم تثمر كل المبادرات اليابانية، بحسب تقرير “أميريكان إنترست”: فعلى الرغم من الكثير من الصخب الذي دار حول قمة بوتين وآبي، فلم تحرز اليابان تقدمًا يذكر مع روسيا، ونزاعهما المستمر لعقود حول الجزر. لكن في المجمل، بإمكان آبي أن يدعي أنَّ هذه السنة كانت حافلة بالنجاحات البارزة في السياسة الخارجية. ما زال التوجه القومي لآبي، ودعمه لإعادة تسليح اليابان أمرًا مثيرًا للجدل في اليابان، لكنَّ شعبيته وحقيقة العدوان الصيني المستمر يقفان في صفه حتى الآن.
بحسب الموقع، فقد أدى النهج العشوائي لأمريكا في المحيط الهادئ إلى خلق مشكلات، وفرص لليابان. فارتعاش أوباما، واتقاد ترامب، وانهيار الدعم الأمريكي للاتفاقيات التجارية عبر المحيط الهادئ أدوا إلى زيادة قلق الحلفاء والمنافسين على حد سواء، من الولايات المتحدة التي لا يمكن التنبؤ بها. دفع النهج غير المستقر لأمريكا باليابان إلى اتخاذ دور قيادي أوضح في المنطقة، وتعاظم دور اليابان في بناء حلف بحري لموازنة الصين أكثر من ذي قبل. رحب القوميون اليابانيون بالموقف الإقليمي الحازم الجديد لبلادهم، لكنهم قلقون من موثوقية أهم حلفاء اليابان.
وعلى الصعيد الاقتصادي، كان عام 2016 أقل نجاحًا بالنسبة لليابان. فقد استمر النمو الاقتصادي في تباطؤه بدءًا من شهر مارس (آذار) 2016، على الرغم من الربع قبل الأخير الذي فاق التوقعات. وشكلت نهاية الشراكة عبر المحيط الهادئ انتكاسة أخرى، مسددة ضربة للاستراتيجية الاقتصادية لليابان، ومحاولاتها احتواء الصين. ومع ذلك، فما زالت اليابان ثالث أقوى اقتصاد عالمي، وقد مارست بدهاء نفوذها المالي على دول مثل ميانمار وسريلانكا في إطار سعيها لمواجهة الدبلوماسية المالية للصين. عمومًا، أثبتت اليابان في عام 2016 همتها، فلم تكن مجرد قوة موازنة للصين، وإنما قوة عظمى في حد ذاتها.
4. روسيا
رفع التقرير ترتيب روسيا بين القوى العظمى لهذا العام مع استمرار تزايد نفوذ فلاديمير بوتين، بشكل يفوق إمكانياته، على الرغم من التوقعات بتعرض بلاده لانهيار اقتصادي ومأزق عسكري. الدولة التي رفض أوباما، ذات مرة، اعتبارها واحدة من “القوى الإقليمية” وقال إنها تتصرف بدافع من الضعف، راوغت الولايات المتحدة في سوريا، وحافظت على موقفها في أوكرانيا، وتجنبت عاصفة اقتصادية في الداخل، وشاهدت الفجوات تتسع في الاتحاد الأوروبي، وفرضت نفسها في القلب من الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وقال الموقع إنَّ بوتين قد أحرز انتصارات تكتيكية ورمزية على حد سواء في سوريا، فسمح للأسد أن يستعيد حلب في الوقت الذي أهان فيه الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا في هذه العملية. وأكدت قدرةُ روسيا على تهميش الولايات المتحدة في محادثات سلام ما بعد حلب أنَّ روسيا، لا الولايات المتحدة، قد أصبحت الوسيط الرئيسي للقوة في البلاد. وفي غضون ذلك، نجح تصالح بوتين مع أردوغان، أكثر حلفاء الناتو بعدًا عنه، في تمكين روسيا من دق إسفين بين تركيا والغرب في الوقت الذي تمهد فيه لتسوية تصب في مصلحتها في سوريا.
أما قريبًا من الأراضي الروسية، فقد نجحت القوات الروسية في إحباط أي سلام دائم في أوكرانيا، ما جعل أي كلام حول انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي أو الناتو نقطة خلافية. وانتخب رؤساء أصدقاء لروسيا في جورجيا، وإستونيا، ومولدوفا، في الوقت الذي تعرض فيه الاتحاد الأوروبي لصدمات بريكست، وتمرد الشعبويين المشككين في الاتحاد الأوروبي بطول القارة، والتدفق المستمر للاجئين، الذي تسبب في جزئه الأكبر من أفعال روسيا في سوريا.
وقال الموقع إنَّ الحظ قد واتى بوتين مرة أخرى في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، عندما انتخبت الولايات المتحدة دونالد ترامب، الذي ظل يكرر وعده بالسعي لعلاقات أكثر مودة مع موسكو. كما أنَّ الضجة التي حدثت بعد الانتخابات حول القرصنة الروسية للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، والتأكيد، المشكوك في صحته، في أنَّ ترامب سوف يكون المرشح الألعوبة في يد بوتين، كل هذا قد صب أيضًا في مصلحة ترامب، فأعطى انطباعًا بأنَّ بوتين الجبار يتحكم في العملية الانتخابية الأمريكية.
ومن المهم، مع متابعتنا لهذه الانتصارات، أن نتذكر نقاط الضعف الكامنة في روسيا. فلا تزال روسيا دولة ضعيفة المأسسة، عرضة لأهواء حاكمها القوي، ويمزقها انقسامات عرقية طويلة الأمد، وعدم مساواة واسعة النطاق. يعتمد اقتصاد روسيا على الموارد الطبيعية، وهو ضعيف، إلى حد كبير أمام الصدمات السعرية. والقدرات العسكرية الروسية غير متسقة، بشكل مضحك، مع صورة الدولة القوية التي تحاول تصديرها للعالم. لم يتغير أي من هذه الحقائق في 2016، وكل هذه الحقائق تقوض من قدرة روسيا طويلة المدى بصفتها قوة عظمى. لكنَّ 2016 أظهرت أنه في عالم من الخصوم الضعفاء، بإمكان روسيا أن تكون ذات نفوذ أكبر من حجمها، لأنَّ الأعرج في حارة المكسحين فارس.
5. ألمانيا
في العام الماضي، كانت ألمانيا متقدمة على روسيا في ترتيب المجلة، لكن البلديْن تبادلا موقعيهما هذا العام. جزئيًا بسبب أنَّ بوتين حظي بعام جيد، وجزئيًا بسبب أنَّ ألمانيا ومشروعها في أوروبا قد حظيا بعام سيء.
وقال الموقع إنَّ ألمانيا تخوض نزاعًا طويل المدى مع روسيا حول الاتجاه المستقبلي لأوروبا. تريد ألمانيا أن تصل أوروبا إلى وضع تقرر فيه مؤسسات الاتحاد الأوروبي السياسات والقوانين الأوروبية دون أي تدخل خارجي. هذا الحلم الألماني، هو كابوس روسيا، فقد كان لروسيا، لمئات السنين، قول في كل القرارات المهمة تقريبًا في أوروبا. لطالما كانت أهم المصالح الاقتصادية لروسيا، وأكبر مخاوفها الأمنية أوروبية، إلى حد كبير. إنّ فكرة أنَّ عددًا من البيروقراطيين في بروكسل بإمكانهم أن يقرروا القوانين التي ينبغي أن تتبعها شركة غازبروم أو كيفية معاملة الأقليات الروسية في دول البلطيق، أمر غير مقبول (حتى بالنسبة للكثير من خصوم بوتين). تريد روسيا أن تكون جزءًا من عملية صنع القرار حول الدفاع والتجارة والهجرة والشرق الأوسط. تريد أن تستخدم حق النقض ضد توسع الناتو والاتحاد الأوروبي، وتريد أن يكون لها سلطة أكبر في كيفية عمل هذه المؤسسات. تريد روسيا كذلك أن تعيد القوة إلى السياسات الأوروبية، وأن تستعيد الألعاب القديمة من التوازن بين القوى. بعبارة أخرى، تريد روسيا أن تهدم البناء الذي تحاول ألمانيا بناءه.
في عام 2016، لم يكن أمر الدمار مقتصرًا على تصويت بريكسيت، على الرغم من أنًّ هذا التصويت كان صدمة للنظام الأوروبي، وما زالت تبعاته مستمرة في هز أساسات الاتحاد الأوروبي. وإنما كان هناك أيضًا المكاسب المستمرة في استطلاعات الرأي العام للأحزاب (في اليمين واليسار على حد سواء) التي تعارض النسخة الحالية من المشروع الأوروبي في بلاد مثل فرنسا، وإيطاليا وهولندا، وكل هذه الدول بين الأعضاء الستة المؤسسين للاتحاد الأوروبي. أضف إلى ذلك الصعود المستمر لقوة «الديمقراطيين غير الليبراليين» في بلاد مثل بولندا والمجر. واستمرار التداعيات الهدامة لأزمة اليورو. وصدمة المهاجرين السوريين ومهاجري شمال أفريقيا، الذين توافدوا على أوروبا وألبوا الدول الأوروبية ضد بعضها البعض، حتى في الوقت الذي أضعفت فيه المستشارة الألمانية ميركل سلطتها الداخلية والخارجية باستجابتها العاطفية غير المدروسة للأزمة. والتدهور المفاجئ في العلاقات الأوروبية التركية، والإدراك المؤلم، في بروكسل وبرلين، أنَّ الاتحاد الأوروبي سوف يكون عليه أن يبتلع كبرياءه ومخاوفه حول حقوق الإنسان من أجل منع رجل تركيا القوي من ابتزاز أوروبا بتهديد فتح بوابات الهجرة من سوريا وأفغانستان والدول الإسلامية المضطربة الأخرى.
كانت أوروبا، بحسب الموقع، أقل اتحادًا، وأقل ثقة، وأقل قوة بنهاية عام 2016 مما كانت عليه في بدايته. ومع انتخاب دونالد ترامب، وهو رجل يبدو متعاطفًا أكثر مع التدمير من البناء فإنَّ آفاق أوروبا قد تصبح أكثر ظلامًا مما هي عليه الآن. وبذلك يصبح نفوذ ألمانيا أكثر تناقصًا.
6. الهند
يقول التقرير إنَّ الهند، مثل اليابان، عادة ما يتم تجاهلها في قوائم القوى العظمى للعالم، لكنها تشغل موقعًا نادرًا تحسد عليه في المسرح العالمي. فالهند هي أكبر ديمقراطية في العالم، وموطن ثاني أكبر مجموعة من السكان يتكلمون الإنجليزية في العالم، وتتباهى باقتصاد متنوع وسريع النمو. وعلى الساحة الجيوسياسية، فهناك الكثير من الساعين لخطب ود الهند: فالصين، واليابان، والولايات المتحدة، جميعًا يسعون لإدماج الهند في خطتهم الأمنية لآسيا، بينما يغازل الاتحاد الأوروبي، وروسيا نيودلهي لتوقيع اتفاقيات تجارية ودفاعية مربحة. شقت الهند طريقها ببراعة بين هذه القوى المتنافسة، تحت قيادة ناريندرا مودي، في الوقت الذي تسعى فيه إلى إطلاق العنان لإمكاناتها بالإصلاحات الاقتصادية التحديثية.
وقال الموقع إنَّ إصلاحات مودي الاقتصادية لا تسير كلها على خير ما يرام، إذ يظهر رد الفعل العكسي على سياسة سحب العملة من التداول، المتسرعة التي انتهجها مودي هذا العام، مخاطر الإصلاح المتحمس أكثر من اللازم. كما أنَّ مسار النمو الاقتصادي السريع قد جلب أزمات أخرى ليست الحكومة الحالية قادرة على معالجتها، ومن أهم هذه المشكلات التلوث المتسارع للهواء في الهند. وفي غضون ذلك، فإنَّ تصاعد النزاع حول كشمير مع باكستان يهدد بوضع قوتين نوويتين شديدتي العداء لبعضهما البعض على شفا الحرب.
وأضاف الموقع أنه على الرغم من هذه المشكلات الداخلية والرعب من باكستان، فإنَّ الهند رسخت نفسها في أماكن أخرى في 2016. فقد اتخذت نيودلهي، التي لطالما ترددت في اتخاذ جانب ما، خطوات عديدة واضحة هذا العام لردع عدوان الصين، وأعلنت أنها سوف تسرع من مشروعات البنية التحتية الدفاعية في المحيط الهندي، وسط مخاوف من أنَّ الصين كانت تحاول تطويق الهند من خلال استراتيجية “عقد اللؤلؤ”. وبالمثل، بدأ مودي تعاونًا بحريًا جديدًا مع الولايات المتحدة واليابان، ووقع عددًا من الاتفاقيات الدفاعية مع روسيا، وفرنسا، وإسرائيل لتحديث الجيش الهندي. من الشرق الأوسط ووسط أفريقيا، إلى جنوب شرق آسيا، تقوم الهند بتوطيد حضورها في الاقتصاد والسياسة الأمنية بطرق تود قوى عظمى تقليدية مثل بريطانيا وفرنسا أن تصل إلى قدرها.
7. إيران
استمرت الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران، بلا هوادة، خلال عام 2016، وقد تفوقت إيران، بثقة، مع دخولنا في العام الجديد. ما زالت السعودية قوة كبيرة، لكنَّ إيران هي من تفوقت في الشهور الاثني عشر الأخيرة، بحسب مجلة “أميريكان إنترست”.
وقال تقرير المجلة إنَّ وكلاء إيران في الشرق الأوسط، قد تقدموا، خلال عام 2016، وأصبح الهلال الشيعي أقرب إلى التحقق من أي وقت مضى. ففي لبنان، ابتهجت إيران بتزايد نفوذ حزب الله، وانتخاب ميشيل عون صديق الشيعة، بينما قطع السعوديون، بمرارة، مساعدتهم، في إشارة لتناقص نفوذهم في بيروت. وفي سوريا، ساعدت الميليشيات الشيعية في استعادة حلب وقلب الحال لصالح الأسد. أيضًا ازداد نفوذ إيران في العراق. لكنَّ أكثر الأحداث إزعاجًا على الإطلاق، من وجهة نظر سعودية، كانت التطورات في اليمن. فقد قاتل المتمردون الحوثيون، المدعومون من إيران، الحكومة المدعومة من السعودية، في الحرب التي أودت حتى الآن بحياة عشرة آلاف شخص.
في غضون ذلك، ما زالت ثمرات الصفقة النووية مستمرة: فقد عقدت إيران صفقات كبيرة مع بوينج وإيرباس، لترسل بذلك رسالة مفادها أنَّ إيران مستعدة للتجارة، في الوقت الذي زادت فيه طهران، بسرعة، من إنتاجها من النفط لمعدلات ما قبل العقوبات.
ربما يكون عام 2017 أصعب على طهران: ذلك أنَّ الرئيس أوباما، الذي كان واحدًا من أهم مكاسب نظام الملالي، لم يعد في منصبه، ويبدو أنَّ إدارة ترامب أكثر اهتمامًا بإعادة بناء العلاقات مع الحلفاء التقليديين لأمريكا في المنطقة، من الاستمرار في محاولة أوباما الوصول لتفاهم مع إيران.
8. إسرائيل
هذا العام، هناك اسم جديد على قائمة أقوى ثماني دول: إسرائيل، التي يصفها التقرير بأنَّها “دولة صغيرة صاعدة في جزء فوضوي من العالم”، يتزايد تأثيرها على الشؤون العالمية باطراد. ومع أنَّ عام 2016 شهد تمرير إدانة جديدة لإسرائيل في الأمم المتحدة، هذه المرة من مجلس الأمن، بفضل قرار أمريكي للامتناع عن استخدام حق النقض، إلا أنَّ الدولة اليهودية، بشكل عام، تستمر في تطوير قوة دبلوماسية، واقتصادية، وعسكرية لفرض نفسها في القلب من السياسات الإقليمية.
هناك ثلاثة عوامل لقوة إسرائيل، بحسب موقع “أميريكان إنترست”: التطوير الاقتصادي، والأزمات الإقليمية الجارية وحولها، وبراعتها الدبلوماسية. النظر عن كثب إلى هذه العوامل يخبرنا عن كيفية عمل القوة في العالم المعاصر.
إنَّ التطورات الاقتصادية وراء المكانة الجديدة لإسرائيل تعود جزئيًا بسبب الحظ والموقع، وجزئيًا بسبب الخيارات الذكية. فيما يتعلق بالحظ والموقع، فقد اكتشفت كميات ضخمة من الغاز الطبيعي والنفط قبالة سواحل إسرائيل، حولتها إلى مصدر للطاقة. هذا الاكتفاء الذاتي من الطاقة عزز الاقتصاد الإسرائيلي، وعززت صادرات الطاقة من نفوذ السياسة الخارجية لإسرائيل. انقلبت تركيا أردوغان، في 2016، على معظم حلفائها في الناتو والدول الغربية، بينما قوت روابطها مع إسرائيل، إذ يريد الحاكم الإسلامي لتركيا الحصول على الغاز، ويريد أن يحد من اعتماد تركيا على روسيا. وإسرائيل جزء من الحل.
لكن بعيدًا عن الحظ، يأتي نفوذ إسرائيل الجديد على المسرح العالمي من صعود القطاعات الصناعية والتكنولوجية التي بنتها المدارس الإسرائيلية الجيدة، والسياسات الإسرائيلية الذكية، والمفكرون الإسرائيليون الموهوبون، ورواد الأعمال خلال سنوات عديدة. أدى قرار إسرائيل بدعم الأمن السيبراني الداخلي، واقتصاد تكنولوجيا المعلومات إلى وضعها في القلب من الثورة الدائرة في القوة العسكرية المبنية على أهمية التحكم في المعلومات وإدارتها بالنسبة لدول القرن الحادي والعشرين. ليس الأمر مقتصرًا على أنَّ القطاعات الخاصة في كل العالم تطمح إلى الاستثمار في الأعمال الناشئة في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، لكنَّ الحصول على التكنولوجيا الإسرائيلية (مثل التكنولوجيا وراء نظام القبة الحديدية الصاروخي) أصبح ذا أهمية متزايدة للكثير من الدول. ليس أمريكا فحسب، وإنما الهند والصين وروسيا كلهم يريدون المشاركة في سحر التكنولوجيا الإسرائيلية.
أيضًا، كان للصناعات الإسرائيلية الأقل لمعانًا، مثل الري، وتحلية مياه البحر، وتكنولوجيا زراعة الأراضي الجافة، التي طورتها إسرائيل التي تعاني من قلة المياه، خلال عقود، دور هي الأخرى. ومما يقوي من التواصل الدبلوماسي الإسرائيلي مع أفريقيا وعلاقاتها العميقة (والتي يزداد الإعلان عنها) مع الهند، هو قدرة إسرائيل على تنفيذ ما تريده شعوب وحكومات الدول الأخرى.
العامل الثاني لظهور إسرائيل في قائمتنا هو التغير في ميزان القوى في الشرق الأوسط الذي حول إسرائيل من دولة منبوذة إلى دولة ذات نفوذ عظيم. يعود ذلك، من ناحية، إلى انهيار سوريا، والتي كانت واحدة من أشرس أعداء إسرائيل، وأكبر التهديدات الأمنية لها فيما مضى. إنَّ ما حدث في سوريا كارثة إنسانية مروعة، لكن من وجهة نظر سياسية واقعية باردة فإنَّ انشطار سوريا يزيد من السيادة العسكرية لإسرائيل في منطقتها. مصر تكره حماس، وداعش، والجهاد الإسلامي، بنفس القدر الذي تكرههم به إسرائيل، ولم يكن التعاون الأمني المصري الإسرائيلي في أي أوقاته أقوى مما هو عليه اليوم.
والأمر الأكثر أهمية، هو صعود إيران وطموحاتها للهيمنة الإقليمية من ناحية، وقد جعل الدعم الواضح لحلمها من إدارة أوباما، وجود إسرائيل أمرًا حيويًا لنجاة العرب السنّة، بما فيهم دول الخليج، التي تحتقر إيران وتخشى من انتصار شيعي في الصراع الديني المستعر الآن في الشرق الأوسط. إنَّ المؤسسة العربية اليوم لديها عدوان مخيفان: الجماعات الجهادية الراديكالية مثل داعش من ناحية، وإيران من ناحية أخرى. لدى إسرائيل خليط من المهارات الاستخباراتية والعسكرية التي من الممكن أن تساعد على الحفاظ على التوازن الإقليمي مستقرًا، واليوم، قد يقول الكثير من المسؤولين العرب البارزين، سرًا أو حتى ليس بهذا القدر من السرية، إنَّ دعم إسرائيل ضروري للاستقلال العربي.
أخيرًا، فقد نجحت إسرائيل، بشكل غير مسبوق، في الترويج لأجندتها السياسة من خلال الدبلوماسية الفعالة، وأحيانًا الخفية. فقد كانت إسرائيل قادرة على بناء علاقة واقعية ومثمرة مع روسيا، برغم المواجهة بين روسيا والغرب حول أوكرانيا وعلاقات روسيا بإيران، بنفس القدر الذي استطاعت به تقوية علاقتها مع تركيا، في الوقت الذي ساءت فيه علاقة تركيا مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وتطلب تعميق العلاقات بين إسرائيل والهند صبرًا ومهارة، بنفس القدر الذي تطلبت فيه الانفراجات في العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية في الدول الأفريقية، التي عادت إسرائيل منذ حرب 1967، صبرًا ودبلوماسية، وأحيانًا من خلال العمل وراء الكواليس. دبلوماسية ما وراء الكواليس هذه قد ساعدت إسرائيل أيضًا على تحقيق مستويات جديدة من الاتصال والتعاون مع الكثير من الدول العربية.
وبحسب موقع “أمريكان إنترست”، فإنَّ الأمور ليست كلها، طبعًا، على ما يرام، فحزب الله لديه عشرات آلاف الصواريخ الموجهة ناحية إسرائيل، وبفضل انتصارات إيران في سوريا، بإمكانه الآن أن يحظى بالمزيد من الإمدادات الموثوق بها من راعيه. والقضية الفلسطينية أبعد عن الحل من أي وقت مضى، وحتى مع انقسام الفلسطينيين على أنفسهم وشجارهم، فلا زال الفلسطينيون يكافحون لنزع شرعية إسرائيل في الأمم المتحدة وفي كل مكان. والسياسات الإسرائيلية متقلبة ومليئة بالمرارة كما كان الحال سابقًا. تعني الطبيعية الفسيفسائية لسياسات الشرق الأوسط أنَّ بطل اليوم قد يصبح كبش فداء الغد. ومع أنَّ انهيار النظام الإقليمي حتى الآن أمر إيجابي لأمن إسرائيل وقوتها، إلا أنَّ الأمور من الممكن أن تتغير بسرعة. فلو حدث انقلاب لداعش في السعودية، أو انهارت الأردن، أو سقطت حكومة السيسي في مصر: فليس من الصعب حينها وجود سيناريوهات تتحدى إسرائيل بطرق جديدة وخطيرة.
حذر الرئيس السابق باراك أوباما، ووزير خارجيته، جون كيري (وكلاهما لا ينظر إليه حاليًا باعتباره خبيرًا في الجغرافيا السياسية) إسرائيل من أنَّ سياساتها سوف تجعل منها معزولة وضعيفة. وهذا الأمر صحيح إلى حد ما: فالدبلوماسيون الأوروبيون، والليبراليون الأمريكيون، والكثير من اليهود الأمريكان، أصبحوا اليوم أقل تعاطفًا مع إسرائيل من الماضي. ربما يكون على القادة الإسرائيليين المستقبليين أن يفكروا بجد في إعادة بناء الروابط مع الديمقراطيين الأمريكان، واليهود الأمريكان.
لكن حتى الآن على الأقل، بإمكان إسرائيل أن تتجاهل لوم الإدارة الأمريكية السابقة. فقد بدأت إسرائيل عام 2017، باعتبارها واحدة من الحلفاء الأمريكيين القلائل الذين غازلتهم حملة ترامب، وحجر الأساس في حلف إقليمي معاد لإيران، وأقرب دولة للبيت الأبيض، ودولة تتمتع بعلاقات طيبة مع كل القوى الكبرى العالمية باستثناء إيران. سوف يكون تيودور هرتزل مندهشًا لو رأى ما انتهى إليه حلمه، وسوف يكون ديفيد بن غوريون مذهولًا بالتقدم الذي حققته دولته، على حد تعبير التقرير.