كتب الزميل عماد مرمل في “الديار”: برغم تعدد التسريبات وتضاربها حول إمكان تعيين قائد جديد للجيش قريبا او الابقاء على العماد جان قهوجي في مركزه حتى انتهاء مدة “ولايته”، الممدد لها حتى أيلول المقبل، فان قهوجي يحاول ان يعزل نفسه عن هذه المؤثرات، مفضلاً ان يتصرف على قاعدة حكمة الإمام علي: “إعمل لدنياك كأنك تعيش ابداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا”.
بهذا المعنى، فان قهوجي الذي يؤكد امام زواره استمراره في تأدية واجبه بكل اندفاع تاركا لمجلس الوزراء ان يبت أمر بقائه او استبداله… يبدو في الوقت ذاته انه مشتاق الى الحرية الشخصية التي فقدها منذ تسلمه لمسؤولياته، على رأس المؤسسة العسكرية.
ويؤكد مقربون من قهوجي انه يقيم منذ ان تولى قيادة الجيش قبل سنوات، في ما يشبه السجن، وينقلون عنه قوله: حياتي الشخصية والاجتماعية تغيرت كليا منذ ان أصبحت قائداً للجيش، بعدما فرضت علي الضرورات الامنية نمطاً معيناً من الحياة، مغايرا لطبعي وطبيعتي.
ويشير المقربون من قهوجي الى ان متطلبات الحماية الشخصية تفرض عليه قيودا، تكبل حرية حركته، الى حد يسبب له الضيق أحيانا، لكن لا خيار امامه سوى تقبل هذا الواقع الاضطراري، لانه يدرك ان المخاطر المحدقة لا تحتمل اي استرخاء في التعامل معها.
ويلفت هؤلاء الانتباه الى ان قهوجي يعتبر ان من واجبه التجاوب مع النصائح التي تُسدى اليه – وبعضها يصل احيانا الى درجة التمني عليه عدم الذهاب الى امكنة ومناسبات معينة – لان الفريق الامني والاستخباراتي المختص هو الاكثر دراية بما يجب فعله، وبالتالي فان قائد الجيش ينبغي ان يلتزم بتوصيات هذا الفريق الذي قد يشعر بالتراخي إذا خُرقت.
وفي سياق عرض بعض الامثلة الحيّة التي تعكس طبيعة الظروف الدقيقة المحيطة بقائد الجيش، يروي المحيطون بقهوجي انه كان مدعوا مرةً، الى مناسبة اجتماعية تخللتها مأدبة تكريمية، فلما وُضع طبق الطعام امام قهوجي، سارع المولجون بأمنه الى الطلب من النادل سحبه على الفور واستبداله بطبق آخر، من باب التحسب لفرضية ان يتم استهداف قائد الجيش عن طريق التسميم.
ويروي العارفون ان عائلة قهوجي، لاسيما زوجته، كانت من أشد المعارضين للتمديد له في قيادة الجيش، في المرتين الاولى والثانية، لكون الضغوط اليومية المترتبة على عمله كانت تحول دون انتظام إيقاع التواصل العائلي.
كما ان الشعور بالقلق على سلامة قهوجي، في ظل التهديدات الامنية، يثقل كاهل العائلة ويضعها تحت ضغط نفسي متواصل، مع كل تحرك له في هذا الاتجاه او ذاك.
ويشير المقربون من قائد الجيش الى انه كثيرا ما فرضت عليه تطورات مستجدة ان يغادر المنزل فجأة ويقطع لقاءات مع أفراد أسرته، كما ان هاتفه يرن مرارا وتكرارا بعد منتصف الليل، لاسباب طارئة، الامر الذي يتسبب بنوع من الاستنفار المنزلي.
وأدت التدابير الاحترازية الالزامية الى حرمان قهوجي ايضا من هواية المشي في الهواء الطلق، والتي اصبحت ممنوعة عليه منذ ان اصبح قائدا للجيش، بعدما بات مجبرا على التنقل ضمن موكب محكم وفي سيارة يلفها الزجاج الداكن الذي يفصله عن المحيط الخارجي.
وضمن هذا الاطار، يسرد المحيطون بقهوجي قصة معبرة، فحواها ان ابنه استأذنه مرة الذهاب الى أحد الامكنة، فلما سأله والده عن عنوانه، أجابه الابن باستغراب: انه يقع قرب المنزل… كيف لا تعرفه؟ ابتسم قهوجي وقال: ما ان استقل الموكب حتى انقطع عن العالم الخارجي.
وحتى العلاقة بالاصدقاء تغيرت كثيراً، بعدما بات قهوجي لا يقابلهم سوى قليلاً، وبعد ترتيبات مسبقة، وهو الذي كان معتادا على نمط مختلف من التعاطي معهم.
والمخاطر لا تحدق فقط بقائد الجيش، فقد علمت “الديار” ان أحد كبار الضباط العسكريين المعنيين بمواجهة الارهاب تلقى مؤخراً، عبر هاتفه الخلوي، رسائل نصية انطوت على تهديدات مباشرة من أحد قياديي التنظيم الارهابي “داعش”، رداً على الانجازات النوعية التي يحققها الجيش في معركته ضد الجماعات التكفيرية.
عماد مرمل