أعد رئيس مؤسسة “نحو دولة القانون” منير الشدياق دراسة قانونية حول مناقصة معاينة الميكانيك جاء فيها: “اخذت قضية مناقصة المعاينة الميكانيكية مسارا منحرفا من الناحية القانونية منذ انطلاقها، وذلك بسبب وضع نص الدستور والنصوص القانونية والتنظيمية ذات الصلة جانبا، وابتداع منظومة من القرارات في مجلس الوزراء وادارة المناقصات ومجلس ادارة هيئة ادارة السير والاليات والمركبات مخالفة للمنظومة الدستورية والقانونية النافذة والسليمة والملزمة اصلا. واصبحت العقدة التي علقت فيها القضية غير قابلة للحل الا عبر فك هذه المنظومة الخاطئة واعادة الاعتبار للمنظومة الصحيحة.
إن ادارة شؤون السير والاليات والمركبات هي مرفق عام من المرافق العامة الداخلة في نطاق وزارة الداخلية والبلديات، وهذا ما تنص عليه حرفيا المادة الثانية من قانون تنظيم وزارة الداخلية والبلديات الصادر بالمرسوم 4082 بتاريخ 14/10/2000 حيث نصت حرفيا : “- تتألف وزارة الداخلية والبلديات من :
اولًا :…
ثانيًا:…
ثالثًا :…
رابعاً : هيئة ادارة السير والاليات والمركبات التي ترتبط بوزارة الداخلية والبلديات وفقا لما ينص عليه هذا المرسوم.”
وقد شاء المشترع ان يدار هذا المرفق العام وفق احدى طرق ادارة المرافق العامة المعروفة بالمؤسسات العامة Etablissements Publics التي تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلالين المالي والاداري وتقوم بكل مهامها تحت الوصاية الادارية لوزير الداخلية والبلديات عليها. وهذه الحقائق تؤكدها صراحة المادتين 53 و54 من قانون تنظيم وزارة الداخلية والبلدية، اي المرسوم 4082/2000 الذي اشرنا اليه اعلاه، حيث نصت المادتان حرفيا على ما يلي:
“المادة 53- تنشأ مؤسسة عامة مركزها بيروت تدعى “هيئة ادارة السير والآليات والمركبات” تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الاداري والمالي، وتعرف في ما يلي بـ”المؤسسة” وتخضع لاحكام النظام العام للمؤسسات العامة.
المادة 54- ترتبط المؤسسة بوزير الداخلية والبلديات الذي يمارس عليها الوصاية الادارية”.
بالتالي، وبما ان هيئة ادارة السير والاليات والمركبات هي مؤسسة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلالين المالي والاداري، وهي ترتبط بوزير الداخلية والبلديات الذي يمارس عليها الوصاية الادارية، يبقى السؤال المهم هو التالي: هل الهيئة باعتبارها مؤسسة عامة تملك حق اقرار المناقصات ام الامر يعود الى هيئة اخرى او مثلا الى لجنة يؤلفها مجلس الوزراء؟
الجواب هو التالي: بما أن المادة 53 من قانون تنظيم وزارة الداخلية، المذكورة اعلاه، تنص حرفيا على “ان هيئة ادارة السير والاليات والمركبات تخضع لاحكام النظام العام للمؤسسات العامة”.
تطبيقا لهذه المادة، وبمراجعة النظام العام للمؤسسات العامة الصادر بالمرسوم 4517 تاريخ 13/12/1972 نجد انه نص في المادة العاشرة منه حرفيا: “المادة 10- يتولى مجلس الادارة – اي مجلس ادارة المؤسسة العامة – السهر على تنفيذ سياسة المؤسسة العامة وتوجيه نشاطها ويتخذ بصورة عامة، ضمن نطاق القوانين والانظمة القرارات اللازمة لتحقيق الغاية التي من اجلها انشئت المؤسسة العامة وتأمين حسن سير العمل فيها.
ويقر مجلس الادارة بصورة خاصة، من دون ان يكون هذا التعداد واردا على سبيل الحصر.
1- نظام المستخدمين
2…3….4…5….6…7…8…
9- صفقات اللوازم والاشغال والخدمات سواء اجريت بطريقة المناقصة او استدراج العروض او التراضي عندما تزيد قيمتها على مليون ليرة وكذلك المصالحات او التحكيم على دعاوى او خلافات عندما يزيد المبلغ موضوع النزاع على خمسة وعشرين الف ليرة.
10….الخ”.
كما ان المرسوم 11244 الصادر بتاريخ 25/10/2003 (المتعلق بتحديد مهام وملاك الهيئة) نص في مادته الرابعة، في معرض استعراضه صلاحيات دائرة الميكانيك التابعة لهيئة ادارة السير والاليات والمركبات، حرفيا انه من مهام دائرة الميكانيك “اجراء الكشوفات الفنية والميكانيكية للسيارات والاليات…”.
بالتالي،استناداً الى نصوص القوانين، الواضحة والصريحة، يكون مجلس ادارة هيئة ادارة السير والاليات والمركبات هو الجهة القانونية الصالحة لتقرير صفقات اللوازم والاشغال والخدمات سواء اجريت بطريقة المناقصة او استدراج العروض او التراضي او باي طريقة. كل ذلك تحت اطار الوصاية الادارية التي يمارسها عليه وزير الداخلية والبلديات بحسب ما نصت عليه صراحة المادة 54 من قانون تنظيم وزارة الداخلية والبلديات.
وكل تصرف خارج هذا الاطار يكون مخالفا للقانون سواء صدر عن مجلس الوزراء او عن وزير الداخلية والبلديات، عن سوء نية او حسن نية “بسبب جهل القانون”، وتحت اي شكل من الاشكال “غير الدستورية” و”غير القانونية” صدر تصرف اي منهما.
وهنا قد يكون من المفيد العودة الى الشقين التاريخي والدستوري للموضوع.
فالمسار المنحرف عن حدود الدستور والقانون بدأ بسبب كون المعاينة الميكانيكية قد تم تلزيمها سابقا بشكل مغاير لهذه القواعد في العام 2002 قبل مباشرة هيئة ادارة السير عملها بعد ان انشئت في العام نفسه.
وعند انتهاء مدة العقد في العام 2012، عرضت المسألة على مجلس الوزراء من دون سبب قانوني انما بسبب الحاجة الى قرار سياسي وليس قرار اداري قانوني – كي لا نقول بسبب جهل القانون او مخالفته -، بتمديد العمل بالعقد المنتهي.
وهكذا كان، وصدرت قرارات متتالية عن مجلس الوزراء بالتمديد الى ان قرر وزير الداخلية والبلديات (الحالي) وجوب اجراء مناقصة وعقد جديدين، كما هو مفترض قانوناً.
وتم عرض الموضوع على مجلس الوزراء خطأ في حين كان يجب اتباع الاصول القانونية المنصوص عليها في انظمة الهيئة والقوانين ذات الصلة.
وتم عرض دفتر شروط المناقصة على مجلس الوزراء الذي وافق عليه واخذ جميع الوزراء يناقشون بنوده ويدلون بملاحظاتهم ويعارضون في تفاصيله.
وبذلك، أشرك وزير الداخلية والبلديات جميع الوزراء الاخرين، طائعا مختارا، في شأن خاص من شؤون وزارته واعطاهم سلطة القرار في ادارة مرفق عام مناط به وحده، او باحدى المؤسسات العامة الخاضعة لرقابته التي تدير قانوناً هذا المرفق العام.
وبذلك تحول مجلس الوزراء، خلافا لنص الدستور الصريح وخلافا لارادة المشترع الدستوري الذي عدل احكام الدستور سنة 1990 ترجمة لوثيقة الوفاق الوطني (الطائف)، الى مجلس ادارة مؤسسة عامة.
فالدستور اناط في مادته الخامسة والستين بمجلس الوزراء السلطة الاجرائية، معتبرا ان هذا المجلس يتولى:
“1- وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات اللازمة لتطبيقها.
2- السهر على تنفيذ القوانين والانظمة والاشراف على اعمال كل اجهزة الدولة من ادارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وامنية بلا استثناء.
3- تعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم وفق القانون”.
مجلس الوزراء يضع إذا السياسة العامة للدولة ويشرف على عمل اجهزتها ويسهر على تطبيق القوانين فيها وتعيين الموظفين على رأسها، ولكنه لا يحل محلها ولا يقوم عنها باعمالها، بل عندما يرى اعوجاجاً في ادائها يستطيع بكل بساطة تعديل انظمتها او حتى الغائها، وله طبعا ان يستبدل الموظفين غير الكفوئين ويعين من يراه قادرا على تطبيق سياسته العامة فيها.
والاهم من ذلك ان الدستور الذي تضمن نص المادة 65 المذكورة وضع قاعدة لا تقل اهمية عن هذه المادة، في المادة التي تليها مباشرة، وحدد بموجبها دور الوزراء.
فقد نصت المادة 66 من الدستور في فقرتها الثانية على ان “يتولى الوزراء ادارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الانظمة والقوانين كل بما يتعلق بالامور العائدة الى ادارته وبما خص به”.
فالوزير هو من يتولى بحسب الدستور ادارة المرافق العامة (او المصالح العامة بحسب الترجمة القديمة لتعبير Services publics) الداخلة ضمن نطاق وزارته، وليس مجلس الوزراء. وان كانت قرارات مجلس الوزراء المتوافقة مع المادة 65، اي التي توضع بموجبها سياسة الدولة في هذا المجال او ذاك ملزمة للوزير، غير ان الوزير يبقى هو السلطة الدستورية المسؤولة عن الادارة المباشرة او غير المباشرة (عند وجود مؤسسة عامة ذات استقلال مالي واداري) للمرافق العامة التابعة لوزارته.
ومن هنا تعتبر الفقرة الثالثة والاخيرة من المادة 66 نفسها ترجمة طبيعية للمسؤولية الملقاة على عاتق الوزير، حيث نصت على ان “يتحمل الوزراء اجماليا تجاه مجلس النواب تبعة سياسة الحكومة العامة ويتحملون افراديا تبعة افعالهم الشخصية”، اي تبعة ادارتهم لمصالح الدولة او مرافقها العامة التابعة لوزاراتهم، كما تنص الفقرة الثانية من هذه المادة.
ومن المعلوم أن النصوص تفسر بشكل لا يؤدي بعضها الى تعطيل بعضها الاخر.
ولا يعقل بالتالي ان يؤدي تفسير وتطبيق المادة 65 وقيام مجلس الوزراء بممارسة خاطئة لصلاحياته في تولي السلطة الاجرائية، الى تعطيل نص المادة 66 من الدستور عبر تولي المجلس مجتمعاً صلاحيات احد اعضائه الذي يفترض به قانونا ان يتحمل مسؤولية ادارة المرفق العام التابع له.
من هنا، إن مجلس الوزراء مدعو الى رفع يده عن هذه القضية بجوانبها الادارية كالموافقة او عدم الموافقة على دفاتر الشروط ونتائج المناقصات ومواصفات هذه الخدمة او تلك والشروط الفنية وغير الفنية للمعاينة والى ما هنالك من شؤون تعود حصرا إلى مجلس ادارة المؤسسة العامة ذات الصلة ومديرها العام تحت سلطة الوزير ورقابته.
كما ان وزير الداخلية والبلديات مدعو قبل غيره الى اعادة الامور الى نصابها والى استعادة دوره وصلاحياته المؤتمن عليها دستوريا والمسؤول بموجبها امام مجلس النواب والشعب.
وفي هذا السياق لا بد له من الاخذ بالاعتبار ما هو محق من مطالب قطاعية للفئات المعنية بالمعاينة الميكانيكية وتوفير افضل نوعية لهذه الخدمة بافضل الشروط.
واعادة الملف الى مجلس ادارة هيئة ادارة السير تحت رقابته وعلى مسؤوليته.
وإنهاء المسار المخالف للدستور الذي ادى حتى الان الى تعطيل المرفق العام وشل عمل المواطنين وتعقيد حياتهم اليومية”.