منذ انسحابها من جنوب لبنان عام 2000، تعيش الدولة العبرية سلسلة من التحولات التي فرضت نفسها على مفاهيم أساسية قامت عليها، في لحظة تغيرات استراتيجية في المنطقة مع بروز اعداء وتهديدات غير مألوفين، رغم ظن قيادات العدو بان ثورات الربيع العربي ستحمل راحة البال لاسرائيل لعقود.
فزمن تحقيق تل ابيب للانتصارات السريعة والحاسمة ولى الى غير رجعة ، ويتلاشى يومًا بعد يوم، باعتراف قيادات اسرائيلية من كافة المستويات، التي اقرت منذ ما بعد حرب تموز 2006 بأن «الحروب المقبلة ستكون أطول مما نريد ولن تكون حاسمة»، مع ما يتستتبع ذلك من اخطار على الجبهة الداخلية ، وسط نقاش مفتوح حول العقيدة العسكرية الجديدة الواجب اتباعها والاستراتيجية اللازمة لتطبيقها.
حديث ونقاش لا يخرج عن الامر الواقع الذي افرزته الحرب السورية نتيجة التدخل العسكري الروسي المباشر ، وما ترتب عنه من تقييد لحرية سلاحي الجو والبحر الاسرائيليين فوق الاراضي السورية وباقل فوق لبنان، مع ما يحمله ذلك من تداعيات على صعيد غياب المعلومات الاستخباراتية ، رغم المرونة التي تبديها موسكو تجاه بعض عمليات سلاح الجو المحدودة فوق الاراضي السورية والتي بقيت ضرباتها موجهة ضد اهداف تطال حزب الله، بحسب الاعتراف الاسرائيلي.
بيئة اقليمية تفرض بحسب الاستراتيجيين الاسرائيليين على تل ابيب اعادة ترتيب اولوياتها في مجال علاقاتها مع الدول الكبرى الفاعلية وذات الوزن في المنطقة، خصوصا بعد الانتكاسة التي اصابت تحالفها الاستراتيجي مع الادارة الاميركية الديمقراطية والتي تسببت لها بخسائر لا يستهان بها.
انطلاقا من ذلك يؤكد موقع «ديبكا فايلز» في تحليل له ، ان الميدان السوري سيشهد سلسلة تغيرات نتيجة دخول الاتفاق المبرم بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والذي افضى الى اتفاق على انشاء مناطق آمنة مقابل موافقة واشنطن على التعاون العسكري مع موسكو، خاضعة لاشراف اميركي-روسي-تركي، هدفه اخراج ايران والوحدات المعومة منها من المعادلة السورية.
في هذا الاطار يورد الموقع الاستخباري الاسرائيلي، بان الجنرال ألكسندر زورالفيليف ، قائد القوات الروسية العاملة في سوريا، اصدر بتاريخ 26 كانون الثاني اوامر الى جميع الوحدات «الصديقة» العاملة في سوريا ،من جيش نظامي وحرس ثوري ايراني وميليشيات شيعية، بوقف اي تحركات عسكرية لها والتمركز في مواقعها الحالية، والامتناع عن فتح أي جبهة قتالية أو معارك جديدة في أي مكان في سوريا، كما حظر على طائرات سلاح الجو السوري التنقل بين القواعد الجوية ، في خطوة تطبيقية للاتفاق الروسي الاميركي، وبعد ساعات من اعلان ترامب الموافقة على التعاون العسكري في سوريا، من جهة، وحظره دخول المواطنين الإيرانيين الى الولايات المتحدة الأميركية.
اجراءات اثارت شكوكاً ايرانية بأنّ صانعَي القرار في موسكو وواشنطن ينويان دفع طهران خارج سوريا، وفي أولى بوادر تلك الخشية عدم إقامة إحتفال مميّز بالذكرى الـ515 لبدء العلاقات الإيرانية – الروسية، بحسب «ديبكا»، قبل ان يأتي الاعلان عن توقيع المرسوم التنفيذي باقامة مناطق عازلة والذي لا يمكن ان يتم بدون التنسيق مع روسيا،وهو ما قد يعرض المشروع الايراني في المنطقة لضربة موجعة ، بعدما دفعت الكثير من اجل انجاحه، على حده قول الموقع الاسرائىلي.
ويلفت الموقع في تقريره ، الى انه ترك للخبراء العسكريين للاطراف الثلاثة واشنطن موسكو وانقرة برسم حدود هذه المناطق، كاشفاً أنّ الأراضي الممتدة شرق الفرات خضعت بموجبه للولايات المتحدة فيما خضعت المناطق الممتدة غرب النهر وصولاً إلى ساحل المتوسط لروسيا،من ضمن اتفاق عام يقضي ببسط الجيش الاميركي سيطرته على منطقتين آمنتين، تمتد الأولى من شرق نهر الفرات وصولاً إلى الحدود العراقية، بما فيها المناطق الكردية، أمّا الثانية فستكون محاذية للحدود السورية والإسرائيلية والأردنية المشتركة، تنتشر فيها قوة قوامها 7500 جندي اميركي، وآخرين أردنيين من فرق العمليات الخاصة بالإضافة إلى معارضين سوريين خضعوا للتدريب على يد الأميركيين في المعسكرات الأردنية، بعدما باتوا جاهزين في الصحراء للتحرك عند الساعة الصفر. اما تركيا، وبحسب الموقع، فانها ستتوسع بنحو 650 كليومتراً على طول الحدود مع سوريا وستتعمق ما بين 35 و65 كيلومتراً من مدينة الباب.
وبحسب الموقع فان الاتفاق المبرم، والذي دخل حيز التنفيذ ، يستند الى مسودة تفاهم تم التوصل اليها عام 2015 بين ادارة الرئيس باراك اوباما والكرملين، بعد مفاوضات شاقة، تقضي بتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ،الا ان الاوضاع الميدانية والظروف الدولية والاقليمية حالت يومها دون التنفيذ.
ويؤكد محللون اسرائىليون على ان تنفيذ هذا الاتفاق سيكون لمصلحة اسرائيل ، اذ سيبعد قوات الحرس الثوري وحزب الله عن حدودها في الجولان ، وهو ما كان بدأ يقلق العدو مع توافر معلومات وتقارير عن تحول منطقة الجنوب السوري امتدادا الى منطقة الزبداني والقصير عند الحدود مع لبنان الى قاعدة كبيرة لحزب الله حيث تم انشاء قواعد سرية لاطلاق الصواريخ فضلا عن شبكات انفاق في مناطق قريبة من الحدود الاسرائيلية في الجولان.
ميشال نصر-الديار