الفساد في لبنان عابر للطوائف والمذاهب والمناطق والإدارات والوزارات…
المواطن هو الذي يدفع ثمنه وهو الذي لا يستفيد منه…
ولأنه كذلك فاننا ننحاز إلى هذا المواطن الذي يقوم بالأشغال الشاقة كل يوم من أجل قوت عياله، فيدفع الضريبة مرتين: الضريبة المشروعة التي تأخذها دولة تحترم نفسها، وضريبة غير مشروعة هي كلفة الفساد المستشري الذي لا يموّل في نهاية المطاف سوى من خزينة هذا المواطن.
عيّنة بسيطة من هذه الحلقة المفرغة من الفساد:
يدفع المواطن رسوم بلدية لا يُعرَف ما هي المعايير الموضوعة لتحديد قيمتها، وإذا عُرفَت فإنها تكون غير علمية.
هذا مصدر التمويل الأول للبلديات.
التمويل الثاني يأتي من الصندوق البلدي المستقل الذي يتم تمويله من عائدات الخليوي.
الأموال المجمّعة في الصندوق البلدي لا تذهب الى البلديات بل تموَّل فيها مشاريع لصالح البلديات من دون أن يكون هناك رأي للبلديات في هذه المشاريع، وتُدفَع الأكلاف من دون حسيب أو رقيب وبأرقام هائلة.
هذا عمليًا ما حصل بالنسبة الى تنفيذ أعمال في الأراضي القريبة من مصب نهر الغدير:
متعهد رست عليه الأشغال بمبلغ عشرة مليارات ليرة أي ما يقارب الستة ملايين دولار ونصف المليون، تقول مصادر ان “العملية” تمت من دون أي مناقصة، ودُفعت القيمة عدًّا ونقدًا من الصندوق البلدي المستقل، وأُخذت “من درب” البلديات المستفيدة في الضاحية الجنوبية.
هكذا، بشطبة قلم “تطير” ستة ملايين دولار هباء، إذ لا محاسبة ولا جرأة على المراقبة.
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حتمًا سيتحرك للمساءلة سريعا للحفاظ على أموال الدولة وأموال اللبنانيين.
ان مبلغ الستة ملايين ونصف المليون دولار من شأنه أن يُنشئ محرقة حديثة جدًا لبلدات الضاحية الجنوبية التي اقتطعت من حصتها هذه الأموال، فهل يتحرك وزير العدل سليم جريصاتي مشكورًا لاحالة هذا الملف على النيابة العامة التمييزية كما تحرك بالنسبة إلى ملف الكازينو ؟
الوزير سليم جريصاتي رمى حجرًا في مستنقع الفساد الآسن، فطلب من النائب العام التمييزي سمير حمود إجراء التحقيقات اللازمة في ملف كازينو لبنان، لا سيما لجهة “المخصصات” وملف المازوت وأعداد الموظفين والمتعاقدين، وعدم تنفيذ الكازينو التزاماته تجاه الدولة اللبنانية.
القاضي حمود أحال الملف الى النائب العام المالي الدكتور علي ابراهيم.
وحين الدخول الى ملف الكازينو هل سيُكتشف حجم الهدر في الأموال التي يجب أن تذهب إلى خزينة الدولة أم يطوى الملف في الأدراج ؟
إنها البداية، وكل هذه الملفات في عهدة فخامة رئيس الجمهورية، ويُفترَض ألا يُقفَل أي ملف من هذه الملفات إلا ويكون قد عولج معالجة جذرية، وتكون الأموال المهدورة قد استُرِدّت الى خزينة الدولة.
الهام سعيد فريحه