حينما لوّح رئيس الجمهورية باحتمال الفراغ في مجلس النواب، دخلت انتخابات 2017 في دائرة المفاضلة بين قانون جديد او لا برلمان.
مع اقتراب مغادرة المهل الملزمة لتوجيه الدعوة الى الناخبين تصبح المفاضلة بين التمديد او الفراغ
مذ لمّح رئيس الجمهورية ميشال عون، قبل اسبوعين، الى ان اجراء انتخابات 2017 وفق قانون 2008 او الفراغ يتساويان عنده، ويفضّل والحال هذه الخيار الثاني.
وقرن موقفه هذا برفضه الخوض في مرسوم توجيه الدعوة الى الناخبين تبعاً للقانون النافذ، مستخدماً بذلك صلاحيته الدستورية، تسارعت ردود الفعل حيال المأزق الابعد مدى، وهو الفراغ.
الذين اعجبهم موقف الرئيس قالوا ان مجلس النواب لا يستمر دقيقة واحدة بعد الساعة الصفر من ليل 19/20 حزيران المقبل ما لم تجر الانتخابات النيابية حتى هذا النهار، والذين لم يعجبهم الموقف قالوا ان البرلمان يستمر بقوة الاستمرار الى ان يخلفه آخر منتخب وإن بلا قانون للتمديد.
كلا الفريقين راحا يتحججان باجتهادات وفتاوى.
الا ان اياً من هؤلاء او اولئك، على ما يبدو، لم يقع على رأي العلامة الدستوري الدكتور ادمون رباط سأله عنه الرئيس الاسبق للمجلس كامل الاسعد. طرق السؤال مباشرة توقع عدم اجراء انتخابات نيابية عامة في موعدها، واعطى رباط جواباً شافياً عما يقتضي ان ينتظر المأزق الحالي ما لم يصر الى اجراء الاستحقاق في موعده.
في الاول من آذار 1976 اجاب رباط الاسعد عن سؤاله عن احتمال عدم اجراء انتخابات نيابية عامة في مهلة الستين يوماً المنصوص عليها في المادتين 41 (مهلة الشهرين لاجراء انتخاب فرعي) و42 (مهلة الستين يوماً لاجراء الانتخابات العامة).
مغزى السؤال حينذاك ابان «حرب السنتين» (1975 ـ 1976)، ايجاد مخرج لمصير البرلمان القائم الذي تنتهي ولايته في 2 ايار 1976.
اما جواب رباط، فهو الآتي:
«المادة 42:
يتضح ان الدستور قد اصر، في جميع المراحل التي مرت فيها المادة 42، على جعل تاريخ الانتخابات النيابية العامة في خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء مدة النيابة.
اي في فترة عدد ايامها ستون يوماً تنتهي في تاريخ انقضاء ولاية المجلس.
وتبدأ ستين يوماً قبل هذا التاريخ.
وهو نص لم يكن في حاجة الى تفسير لأنه ينبغي اجراء الاجتهاد، اي التفسير في حالة التعقيد او الغموض.
النتيجة القانونية المترتبة على هذا النص الواضح، هي انه ما دامت ولاية المجلس الحالي ستنتهي في 2 ايار 1976، يكون من المتوجب ان تجري الانتخابات في خلال الستين يوماً السابقة لتاريخ 2 ايار.
وذلك في التاريخ الذي يحدده مرسوم دعوة الهيئات الناخبة المنصوص عليه في المادة السابعة من قانون انتخاب اعضاء المجلس النيابي الحالي (نيسان 1960)، مما يتأتى عن ذلك انه من الجائز ان تجرى الانتخابات بيوم واحد حتى قبل انتهاء الولاية في 2 ايار.
من هنا ينبري السؤال عن الوضع القانوني الذي لا بد من ان يتولّد عن تمديد ولاية المجلس الحالي.
اذ من المسلم به ان لا شيء يحول من الوجهة القانونية دون تعديل المادة الاولى من قانون الانتخاب المتضمّنة تحديد عدد النواب ومدة ولايتهم بأربع سنوات لجعل هذه الولاية خمس سنوات او لاضافة سنة او سنتين اليها، وجعل هذا التعديل نافذاً فوراً ما دامت ولاية المجلس محددة بطريقة التشريع العادي التي احالتها المادة 21 من الدستور الى صلاحيته.
فالجواب عن السؤال غير متعذّر اذا ما بقينا منسجمين مع منطق المادة 41 من الدستور، اذ في حالة تمديد ولاية المجلس يكون انتهاء مدة النيابة المذكورة في هذا النص قد شمله التمديد، ويكون تاريخ بداية الستين يوماً التي يجب في خلالها اجراء الانتخابات قد ارجئت الى ما قبل انقضاء ولاية المجلس الممددة.
المادة 41:
لأن المادة 41 قائمة في الدستور، فليس من مقدور اي قانون، مهما تفنّد واضعه في تحريره لتجنبيه الاصطدام بتلك المادة، الحؤول دون تطبيقها والتخفيف من وطأتها. وذلك عملاً بمبدأ السيادة العليا التي يتمتع بها الدستور على سلطات الدولة كافة، ومنها البرلمان الذي تتمثل به السلطة التشريعية.
ما العمل اذن في هذه الحالة، في وقت غدت فكرة اجراء انتخابات فرعية او عامة من اخطر المستحيلات؟
يبدو لي ان في الامر حلين: الاول كامن في نزع الطبيعة الدستورية عن المادة 41، والثاني في اللجوء الى نظرية الظروف الاستثنائية.
1 ـ عملية نزع الطبيعة الدستورية معروفة في القانون الدستوري وموصوفة بـdeconstitutionnalisation، وتعني هذه العملية ان تصبح المادة 41 من الدستور قانوناً عادياً بالغائها منه، والاكتفاء بوجودها في قانون الانتخاب. حينئذ يصبح من السهل تعديل هذه المادة تعديلاً مماثلاً للمادة الاولى من قانون الانتخاب (تحديد عدد النواب ومدة ولايتهم). ومن البداهة بمكان ان هذه العملية تتطلب قانوناً خاصاً، اي قانوناً يمر وجوباً بالاصول المنصوص عليها في المواد 76 و77 و78 و79 من الدستور الخاصة باصول تعديل الدستور. ولا يخفى انه، بالنظر الى الحساسية السائدة لدى فئات من اللبنانيين حيال كل ما من اثره مسّ الدستور، فهذه الطريقة تبدو في الوقت الحاضر مستحيلة.
2 ـ والحل الآخر انما هو في مجابهة الواقع مجابهة موضوعية وصريحة ومخلصة من البرلمان والحكومة، واعلان استحالة تطبيق المادة 41 من الدستور في الظروف الراهنة، ويكون عندئذ موقفهما هذا مبنياً من الوجهة الدستورية على نظرية الظروف الاستثنائية التي تعفي من تطبيق القانون، والدستور حتى، اذا كان من مفعول هذا التطبيق ان يعرض الامن العام للخطر الشديد».
في خلاصة رد رباط على الاسعد ان لا مفر من احترام احكام المادتين 41 و42 من الدستور لاجراء الانتخابات النيابية الفرعية او العامة في مهلة الستين يوماً المنصوص عليها فيهما، على ان تعذر تطبيقهما يعني ان على البرلمان الاخذ بنظرية الظروف الاستثنائية بغية استمرار ولاية مجلس النواب.
احترام مهلة المادتين 41 و42 ملزم لاجراء انتخابات جديدة قبل انتهاء ولاية المجلس القائم. تالياً اباح رباط نظرية الظروف الاستثنائية ـ في حمأة «حرب السنتين» ـ تفادياً للوقوع في المحظور الذي هو عدم وجود برلمان منتخب يخلف البرلمان المنتهية ولايته في موعدها القانوني، وتجنباً من ثم لفراغ حتمي.
ما لم يخطر في بال رباط آنذاك، ان تعذّر اجراء انتخابات نيابية اليوم عملاً بالمادتين 41 و42 ـ ومن ثم اهدار مهلة الستين يوماً ـ لم يعد يكمن في ظروف تهدد الامن العام للبلاد، بل في رفض البلاد في ظروف آمنة الآن اجراء انتخابات وفق قانون نافذ، بمثل رفضها الاتفاق على قانون جديد آخر للانتخاب.
نقولا ناصيف