لماذا تخاطر القاهرة بالاقتراب من نظام الأسد ؟

تساءلت مجلة فورين أفيرز الأميركية في تقرير جديد لها، رَصدَ تطورات العلاقة بين القاهرة ودمشق؛ تساءلت لماذا ضحّى السيسي بتحالفه مع الرياض بسبب مواقفه إزاء الأزمة السورية؟!

يقول التقرير إنه “في الأول من شباط 2017، غادرت طائرة نقلٍ عسكرية قاعدةً جوية روسية في اللاذقية بسوريا، وهبطت في مطارٍ بالقرب من حدود مصر مع ليبيا، ثُمَّ عادت إلى سوريا”.

وعلى مدار أشهر، صدرت تقارير غير مُؤكَّدة تفيد بأنَّ القاهرة قد أرسلت قواتٍ لمساعدة النظام السوري في الحرب التي تشهدها البلاد، وللوهلة الأولى بدا أنَّ الرحلة قد أكَّدت تلك الشكوك.

لكن يبدو ذلك مُستبعَداً الآن؛ فوجهة الطائرة النهائية كانت روسيا، حيث أُفيد بأنَّها قد نقلت مقاتلين جرحى موالين لرجل ليبيا القوي المتحالف مع الكرملين، خليفة حفتر، من أجل تلقِّي العلاج.

لكنَّ حقيقة أنَّ القاهرة تُنسِّق مع تحالف دمشق – موسكو في عمليةٍ كتلك تؤكِّد أحد أكثر الأسرار وضوحاً في الشرق الأوسط: القاهرة تدعم نظام بشار الأسد في سوريا.

نعم ندعم النظام

وبالعودة إلى تشرين الثاني 2016، كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد اعترف بصورةٍ أساسية بالأمر نفسه.

فقد صرَّح لقناةٍ تلفزيونية برتغالية بأنَّ أولوية القاهرة هي “دعم الجيوش الوطنية، في ليبيا على سبيل المثال. والأمر نفسه مع سوريا والعراق”. وضَغَطَ المُحاوِر بعد ذلك على السيسي لمعرفة ما إذا كان يعني النظام السوري. فأجاب السيسي بوضوح: “نعم”.

كانت تلك هي المرة الأولى التي تعترف فيها مصر، الحليفة طويلة الأمد الولايات المتحدة، علناً بأنَّها تنحاز للحكومة السورية.

ويُعَد السيسي الآن واحداً من القادة العرب القليلين الذين يدعمون صراحةً دمشق، التي عُلِّقَت عضويتها في الجامعة العربية منذ أواخر 2011.

السيسي يستعد لسقوط الأسد!

كانت تلميحات التعاطف من السيسي تجاه نظيره السوري، بطبيعة الحال، واضحةً منذ سنوات. فبالعودة إلى تموز 2013، وبعد أسابيع فقط من قيادة القائد العام للقوات المسلحة آنذاك، السيسي، الجيش لعزل الحكومة التي كان يقودها الإخوان المسلمون في القاهرة، اتَّفقت مصر وسوريا على استعادة العلاقات الدبلوماسية. كان نظام الإخوان المسلمين قد قطعها.

ومنذ ذلك الحين، اتَّبعت مصر نهج الانتظار والترقُّب، قاضيةً وقتها في مراقبة أي الأطراف سيخرج مُنتصِراً في سوريا قبل أن تكشف بوضوحٍ عن دعمها أو معارضتها لأحدها.

وفي تشرين الأول 2016، وقبل فترةٍ قصيرة من المقابلة مع القناة البرتغالية، صوتت مصر، العضو غير الدائم بمجلس الأمن الدولي، لمشروع قرارٍ صدر برعاية فرنسية يدعو إلى إنهاءٍ فوري للغارات الجوية في حلب، حيث كان النظام السوري وروسيا يشنَّان حملة على المدينة.

وفي اليوم نفسه، انضمَّت مصر إلى روسيا والصين وفنزويلا في دعم مشروع قرارٍ مُعدَّل حذف أية إشارةٍ إلى المدينة، مما أثار انتقادات سعودية علنية في أمر نادر في العلاقات بين البلدين.

وخلال الشهر نفسه، أفادت وسائل الإعلام السورية الرسمية بأنَّ دمشق قد استضافت اجتماعاتٍ ثنائية مع مسؤولين مصريين رفيعي المستوى، من بينهم رئيس المخابرات، وقال متحدِّثٌ باسم الجيش السوري إنَّ المحادثات حول عملياتٍ عسكرية مشتركة كانت في “مرحلةٍ مُتقدِّمة”.

أثار ميْل القاهرة الداعم للأسد غضب أهم حليفاتها العرب وداعمتها المالية الرئيسية، المملكة العربية السعودية، التي ضخَّت منذ الإطاحة بمرسي أكثر من 25 مليار دولار في اقتصاد مصر.

ففي تشرين الأول 2016، وصفت الرياض تحرُّكات القاهرة الداعمة للكرملين في الأمم المتحدة بأنَّها “مؤلمة”، وغرَّد الكاتب السعودي البارز جمال خاشُقجي على تويتر مُذكِّراً بأنَّ على مصر، باعتبارها العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، التحرُّك وفقاً لإجماع الرأي العربي.

وفي الشهر التالي، تشرين الثاني 2016، أعلنت شركة “أرامكو” السعودية النفطية العملاقة أنَّها ستُوقِف إمدادات النفط إلى مصر حتى إشعارٍ آخر.

لماذا تخاطر القاهرة بالاقتراب من الأسد؟

لماذا إذاً تتقارب القاهرة مع الأسد في ظل المخاطرة بالإضرار بمكانتها الإقليمية، وإزعاج داعميها الماليين، في الوقت الذي يشهد فيه اقتصادها أزمةً عميقة؟

أولاً، وبحسب الصحيفة، يختلف إدراك القاهرة للتهديد عن إدراك حلفائها العرب. فعلى الرغم من نظر السعودية إلى راعية الأسد، إيران، باعتبارها التهديد الأبرز لأمنها ومصالحها، تُخصِّص مصر تلك المنزلة لديها للإخوان المسلمين وداعش.

كانت جماعة الإخوان المسلمين، على مدار عقودٍ من الزمن، هي الخصم الأساسي للجيش المصري. ووصل السيسي نفسه إلى الحكم في 2013 عن طريق إزاحة نظام الإخوان المسلمين الذي أدار البلاد لمدة عامٍ فقط، وبمجرد وصوله إلى السلطة، عَمَد إلى سَجن عشرات الآلاف من أعضاء الجماعة. ومنذ ذلك الحين، وفي شبه جزيرة سيناء قليلة السكان في مصر، قتل فرعٌ لداعش مئات الجنود المصريين في تمرُّدٍ لا تبدو نهايته قريبة.

ثانياً، تسير كلٌ من القاهرة ودمشق بإيقاعٍ مُتناغِم فيما يتعلَّق بعدائهما لحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي تضرب هي ذاتها بجذورها في الإسلام السياسي. فمنذ انقلاب 2013، كان أردوغان هو الخصم الرئيسي لنظام السيسي، واستضاف قادة الإخوان المسلمين، وبثَّ محطاتٍ تلفزيونية باللغة العربية هاجمت “شرعية” الرئيس المصري. بل ويُعَد الرئيس التركي مُولَعاً بإظهار شارة “رابعة” التي يشتهر بها الإخوان المسلمون والمُتمثِّلة في التحية ذات الأربعة أصابع.

وأخيراً، تُعَد علاقات مصر الأوثق مع الأسد نتاجاً لعلاقاتها الدافئة مع روسيا. فقد أدَّت علاقات القاهرة المتوترة مع إدارة باراك الرئيس الأميركي باراك أوباما السابقة، بعد الانقلاب، إلى التوجُّه للكرملين من أجل الحصول على كل شيء، بدءاً من مروحيات الهليكوبتر، مروراً بالتدريبات العسكرية المشتركة، ووصولاً للطاقة النووية.

والآن، ومع إدراك القاهرة بوجود إدارة جديدة، تحرص على إقامة علاقاتٍ جديدة مع الرئيس دونالد ترامب، الذي دعا باستمرارٍ إلى تعاونٍ أوثق مع موسكو ضد المتطرِّفين في سوريا في حين يعارض القيام بإجراءاتٍ تهدف إلى إسقاط نظام الأسد.

اخترنا لك