عقد رئيس المجلس الدستوري القاضي عصام سليمان مؤتمراً صحافياً، صباح اليوم في مقر المجلس في الحدت، في حضور أعضاء المجلس وممثل السفير الألماني كارستن ماير فيفهاوزن وممثل مؤسسة “كونراد اديناور” في لبنان والشرق الأوسط بيتر ريملي، تناول فيه مشروع توسيع صلاحيات المجلس الذي أعده رئيس المجلس، وتم إطلاق كتاب في هذه المناسبة مع المجلد العاشر من الكتاب السنوي للمجلس الدستوري للعام 2016 .
واستهل القاضي سليمان المؤتمر بالقول: “يسعدنا أن نستقبل اليوم، في رحاب المجلس الدستوري، اعلاميين من مختلف وسائل الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب.
وقد أردنا، منذ تولينا مهماتنا في المجلس، أن يكون الإعلام وسيلة تواصل بيننا وبين المواطنين، التزاما منا لاحترام حق المواطنين في الاستعلام والاطلاع على حقيقة ما يقوم به المجلس الدستوري مع مراعاة موجب التحفظ وسرية المذاكرة، آخذين في الاعتبار طبيعة المجلس الدستوري، التي حددها قانون انشائه بحيث نص على ان المجلس الدستوري هيئة دستورية مستقلة ذات صفة قضائية.
فهو ليس مؤسسة قضائية انما مؤسسة دستورية لقراراتها صفة قضائية لأنها تتمتع بقوة القضية المحكوم بها، ولا تقبل أي طريق من طرق المراجعة وملزمة لجميع السلطات في الدولة بما فيها السلطة القضائية، ولا تخضع لمبدأ الفصل بين السلطات وتحديدا الفصل بين السلطة القضائية والسلطة الاشتراعية.
فالمجلس الدستوري غدا ضمانا للتقيد بمبدأ الفصل بين السلطات في عملية التشريع”.
واضاف: “من طبيعة المجلس الدستوري هذه، حددنا علاقتنا بالاعلام واعتمدناه وسيلة تواصل من أجل نشر ثقافة دستورية صحيحة، ينبغي تزويد المواطنين اياها ليتمكنوا من القيام بدورهم في تفعيل ما توافر في لبنان من ديموقراطية والسير في تجربتنا في هذا المجال الى مواقع متقدمة، ايمانا منا بأن الاصلاح يبدأ بالمواطن، ولأن الديموقراطية تتطلب مواطنا واعيا مثقفا بثقافة الديموقراطية، قادرا على حسن الاختيار في الانتخابات ويمارس دوره في المراقبة والمساءلة والمحاسبة. فالديموقراطية من دون محاسبة تفقد معنى وجودها”.
وقال: “لقد أدركنا من خلال تجربتنا، ان صلاحيات المجلس الدستوري، المحدودة والمقيدة، لا تمكنه من القيام بالدور الذي يجب أن يقوم به في بناء دولة القانون والمؤسسات. وهي دولة يتطلع اليها اللبنانيون وخصوصا بعد التجارب المريرة التي مروا بها، وأكدت ان لا ضمان لهم، مواطنين وطوائف وأحزابا وتيارات سياسية، سوى الدولة المحصنة بدستورها ومؤسساتها وارادة أبنائها”.
تابع: “لقد عمدت الى وضع مشروع لتوسيع صلاحيات المجلس الدستوري وتفعيل أدائه، ونظمنا بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور ورشة عمل لدرس هذا المشروع ومناقشته، شاركت فيها نخبة من المتخصصين في القضايا الدستورية وأنظمة الحكم والقانون، وأساتذة من كليات الحقوق والعلوم السياسية وكبار القضاة والمحامين ونواب. وتعميما للفائدة، نشرنا الدراسات والمناقشات في كتاب، حمل عنوان “توسيع صلاحيات المجلس الدستوري في لبنان”.
واعلن اننا “نتطلع الى تحويل مشروع توسيع صلاحيات المجلس الدستوري الى نصوص يجري اقرارها وفق الاجراءات التي نص عليها الدستور، مع العلم ان توسيع صلاحيات المجلس الدستوري يتطلب تعديل المادة 19 من الدستور، بينما الاصلاحات الأخرى الواردة في المشروع لا تتطلب سوى تعديل قانون انشاء المجلس الدستوري”.
واضاف: “يجري الكلام على تطبيق وثيقة الوفاق الوطني كاملة، وقد أناطت هذه الوثيقة تفسير الدستور بالمجلس الدستوري، غير ان هذه الصلاحية حجبت عنه عند تعديل الدستور بموجب وثيقة الوفاق الوطني، وقد أكدت الخلافات، حول تفسير بعض نصوص الدستور، أن لا بد من مرجعية دستورية تتولى التفسير، عند تضارب الآراء واحتدام الخلافات، ومن الطبيعي ان تنحصر هذه المرجعية بالمجلس الدستوري”.
وتابع: “لقد اتخذنا المبادرة باعداد مشروع توسيع صلاحيات المجلس الدستوري، وضمناها الأسباب الموجبة، ومختلف التفاصيل وجداول مقارنة. وجاءت ورشة العمل لتشبعه درسا من خلال أوراق العمل والمناقشات الغنية، والاستعانة بتجارب الدول المتقدمة، والدول العربية التي سبقتنا الى توسيع صلاحيات محاكمها ومجالسها الدستورية. ولم يعد أمام مجلس الوزراء ومجلس النواب سوى توافر الارادة السياسية واتخاذ الاجراءات الدستورية الآيلة الى وضع هذا المشروع موضع التنفيذ”.
وقال: “كلنا ثقة بأن الاصلاح سيسلك طريقه في عهد فخامة الرئيس العماد ميشال عون، وقد أعرب فخامته، أثناء لقائنا واياه في القصر الجمهوري، ثم أثناء زيارته للمجلس الدستوري، عن اقتناعه بالدور الذي ينبغي أن يقوم به المجلس الدستوري في بناء دولة القانون والمؤسسات، وعن دعمه لتوسيع صلاحيات هذا المجلس، وخصوصا لجهة تفسير الدستور، ونأمل ان تكون باكورة الاصلاح، بعد الانتخابات النيابية، اقرار توسيع صلاحيات المجلس الدستوري، وادخال الاصلاحات الضرورية على قانون انشائه وقانون نظامه الداخلي. فتوسيع صلاحيات المجلس الدستوري لا علاقة له بالتوازنات الطائفية والسياسية، وفيه ضمان لدولة القانون الراعية لحقوق المواطنين وحرياتهم، وضمان لمجلس النواب نفسه، لأنه يساهم في تحصينه وتعزيز شرعيته وانتظام أداء المؤسسات الدستورية”.
واضاف: “من ناحية ثانية، نعلن، في هذه المناسبة، عن صدور المجلد العاشر للعام 2016 من الكتاب السنوي للمجلس الدستوري، وقد دأبنا، منذ تولينا مهماتنا في المجلس، على اصداره في بداية كل سنة، ايمانا منا بأن دور المجلس الدستوري لا يقتصر على اصدار القرارات في الطعون المقدمة أمامه، انما يتجاوز ذلك الى التعمق في الدراسات التي لها علاقة بالقضاء الدستوري، ونشر ثقافة العدالة الدستورية. فالكتاب السنوي يضم، الى قرارات المجلس الدستوري، مجموعة من الدراسات المتخصصة من منظور مقارن، وباللغتين العربية والفرنسية، اضافة الى نبذة عن نشاطات المجلس الدستوري”.
وتابع: “هذا الكتاب أداة لتعزيز التواصل مع المحاكم والمجالس الدستورية العربية والفرنكوفونية، وقد غدا مرجعا معتمدا في العديد من الدول العربية، وفي كليات الحقوق والعلوم السياسية في مختلف الجامعات في لبنان، وهو يفتح الطريق أمام تدريس القانون الدستوري الاجتهادي في هذه الكليات”.
وختم: “يسرنا، في هذه المناسبة، أن نقدم درع المجلس الدستوري الى السيد بيتر ريملي ممثل مؤسسة “كونراد أديناور”، للجهود التي بذلها دعما لنشاطات المجلس الدستوري في اطار برنامج تعزيز دولة القانون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.
ريملي
ثم القى ريملي كلمة شكر فيها للمجلس تكريمه، وتحدث عن مشاركة مؤسسة “كونراد اديناور” في المؤتمر الذي عقد في العام الماضي وعن إصدار كتاب عنه، وقال: “منذ وصولي إلى لبنان لمست أن الشعب اللبناني ينتظر الكثير من الدستور وهي تتمثل، في رأيي، في تطبيق التوصيات التي خرج بها المؤتمر لما لها من آثار إيجابية على الحياة الدستورية في لبنان، ودعا رؤساء الأحزاب الى المشاركة في الإصلاح الدستوري من وجهة نظرهم وألا يخشوا هذه الخطوة”.
قال سليمان ردا على سؤال: “بالنسبة الى إعطاء رئيس الجمهورية صلاحية تعيين أعضاء في المجلس الدستوري، فهذه الصلاحية معطاة له في معظم دول العالم لأنه مؤتمن على الدستور، بالإضافة الى ان الحكومات في لبنان تكون نسخة طبق الأصل من مجلس النواب، لأن الكتل السياسية نفسها ممثلة في المجلسين. كما أنه في المرة الأخيرة كان هناك الكثير من العقبات أمام الحكومة في تعيين أعضاء المجلس الدستوري. أما بالنسبة الى النصاب بحسب القانون فهو 8 من 10، وأعتقد أنه لا يجوز أن يكون النصاب مرتفعا الى هذا الحد. لذلك اقترحنا أن يكون النصاب الأكثرية المطلقة وهي 6 من 10، أما القرارات الحالية فهي 7 من 10. هذه أيضا نسبة مرتفعة وخصوصا أنه بحسب القانون إذا لم يبت المجلس الدستوري القانون موضوع الطعن خلال شهر يصبح هذا القانون نافذا، لذلك يجب ألا تكون الأكثرية في اتخاذ القرار 7 من 10 بل 6 من 10”.
واجاب ردا على سؤال آخر: “المجلس الدستوري هو المؤسسة الدستورية الوحيدة التي بقيت تعمل على الرغم من الصعوبات السياسية، أما لماذا لا يتدخل في وضع قانون انتخاب جديد فلأنه الهيئة الدستورية المنوط بها مراقبة القوانين وقانون الانتخاب إذا ما أقر قد يطعن به أمام المجلس الدستوري، لذلك لا يحق له ولا لأعضائه التدخل، وإذا ما طعن به ننظر في المعايير والأسس، وإذا ما كان فيها ما يخالف الدستور نطعن به، وإذا لم يكن لا نطعن، فقانون الانتخاب معاييره طبقا للدستور”.