المعادلة المالية في لبنان مضحكة حتى السخرية ومبكية حتى الألم:
تقوم هذه المعادلة على التفاوت التالي:
الإيرادات أحلام والإنفاق حقيقة، فما ورد في الموازنة في باب الإيرادات، ليس بالضرورة أن يتحقَّق كله، لأنَّه مرتبط بالظروف، أما الإنفاق “فحقيقة ونص”، لأنَّ الإنفاق يتمُّ صرفه حتى آخر قرش.
من باب الإيرادات، الأحلام أنَّ هناك تحويلات كبيرة من اللبنانيين في دول الخليج إلى أهاليهم، بما يُحسِّن الحركة الإقتصادية.
لقد فات المتفائلين أنَّ هذه الإيرادات الموعودة قد يعتريها انحسار عائد إلى الأسباب التالية:
السياسات النقدية الجديدة في بعض دول الخليج القائمة على ترشيد الإنفاق لجهة سياسة التقشف، التي تظهر واضحة في إلغاء الدعم عن بعض السلع.
هذه السياسة ستجعل من اللبنانيين الذين يعيشون في الخليج يصرفون مدخراتهم، فتتراجع بالتالي نِسب تحويلاتهم إلى أهلهم في لبنان.
العامل الثاني، أنَّ الأشقاء الخليجيين لم يعودوا كما في السابق مندفعين، بل أصبحوا أكثر فأكثر حذرين من المجيء إلى لبنان.
صحيحٌ أنَّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون زار المملكة العربية السعودية وقطر والأردن، لكن هذا الإنفتاح الذي يلقى ترحيباً مشهوداً من الاشقاء الخليجيين، تعتريه “فرملة” بسبب الحملات والهجمات التي تتعرض لها بعض دول الخليج، وفي مقدّمها المملكة العربية السعودية والبحرين.
فكيف ندعو أشقاءنا الخليجيين للعودة إلى لبنان وتمضية عطلاتهم وموسم الصيف فيه، فيما الحملات على دولهم لا تتوقف؟
هذه الإزدواجية في التعاطي مع دول الخليج، من شأنها أن تنعكس سلباً على إيرادات الموازنة، ولا سيَّما في ما يتعلَّق بالحركة الإقتصادية التي يُنعشها الخليجيون، وخاصةً في القطاعات العقارية وقطاع تجارة التجزئة والقطاع الفندقي.
وليس سراً أنَّ جزءاً من اقتصاد البلد، هو ما يُعرَف باقتصاد “السلّة الخليجية” التي تزاوج بين تحويلات اللبنانيين في الخليج وإنفاق الخليجيين في لبنان.
إنطلاقاً من هذه المعطيات الآنفة الذكر، كيف سيتواصل درس الموازنة؟
ووفق أية قواعد؟
مجلس الوزراء سيخصِّص ثلاث جلسات هذا الأسبوع لمتابعة درس الموازنة، لكن هذه الجلسات ستُواجَه بضغطين:
فمن جهة، ضغط الهيئات الإقتصادية التي ترفض الجزء الكبير من الضرائب، لأنَّها تعتبرها مسبباً أساسياً لانكماش الإقتصاد.
ومن جهة ثانية، ضغط النقابات التي تطالب بإقرار سلسلة الرتب والرواتب وعدم التفكير في فرض ضرائب جديدة.
وفي معرض درس أرقام الموازنة، لا بدَّ من تأجيل ما ليس مُلحاً أو على الأقل إعادة النظر بالأكلاف الباهظة لِما هو مطروح، وهذه الحكمة الإقتصادية رافقت اللبنانين وترافقهم سواء في اقتصاداتهم الصغيرة في بيوتهم أو في اقتصاداتهم المتوسطة في مؤسساتهم.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، ووفق المعلومات الموثوقة المتداولة أنَّ الإنفاق تم على بناء واحد من أضخم السجون في لبنان وبمواصفات عالمية في بلدة مجدليا قضاء زغرتا بكلفة ستين مليون دولار، عدا سعر الأرض التي ستُقدمها الدولة، وقد قدمت الشركات عروضها في المناقصة لمجلس الإنماء والإعمار، ومن بينها طبعاً شركة جهاد العرب.
وسجن مجدليا هو واحد من ستة سجون ستُبنى في مناطق لبنانية عدة، من بينها واحد في إحدى البلدات الساحلية في كسروان.
ممتازة هذه الحيوية ولا سيما من بعض المتعهدين العابرين للمناطق والإختصاصات:
من التزام مطمر الكوستابرافا وما رافقه من استصلاح لأرض قربه بكلفة عشرة مليارات ليرة دُفعت نقداً، إلى سجن مجدليا، إلى غيره من التلزيمات المرتقبة في محارق النفايات.
هذه حيوية مشهودٌ لها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه:
أليس بالإمكان تأجيل ما ليس ملحاً؟
ثم أين أصبحت الأموال التي دُفعت في عملية إصلاح سجن روميه وهي بملايين الدولارات، قبل تسلم الوزير نهاد المشنوق وزارة الداخلية والبلديات وضبط كل المخالفات، إذ ثبت بالتحقيق أنها لم تُصرَف كلّها على رغم أنَّ الأشغال سُلمت؟
أليس من الأفضل استرداد الأموال المسروقة من التزام سجن روميه قبل صرف اعتمادات لبناء سجون جديدة، التي بسببها ستزاد بعض من الضرائب على المواطن؟
لماذا؟
لِمَ العجلة؟
بكل أمانة وصدق نريد لعهد عون – الحريري أن ينجح وللبحث صلة.
الهام سعيد فريحه