في أول جلسة لمجلس الوزراء في قصر بعبدا، بعد تشكيل الحكومة ونيلها الثقة، تحدث رئيس الجمهورية في بداية الجلسة عن وجوب التزام موعد بدء الجلسة التزاماً دقيقاً، وهو الحادية عشرة قبل الظهر، والحد الأقصى لانتهائها الساعة الثانية بعد الظهر، كما طلب من الوزراء أن تكون نقاشاتهم هادئة من دون أصوات عالية.
تذكَّر أحد الوزراء هذه “التعليمات” عصر أول من أمس الإثنين، حين طارت الجلسة في السراي الحكومي، بعدما انتظر الذين حضروا خمساً وخمسين دقيقة، من الرابعة إلى الخامسة إلا خمس دقائق، ليتبيَّن أنَّ الذين حضروا توقَّف عددهم عند تسعة عشر وزيراً، لا يشكِّلون النصاب للجلسة، فيما غاب أحد عشر وزيراً بينهم أربعة بداعي السفر، ووزير كان مكلَّفاً بمهام، أما الستة الآخرون فغيابهم بين التوعك والتأخر، ولكن من دون إعلام الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ما تسبب في تطيير الجلسة.
الوزير الذي روى هذه الواقعة، تذكَّر جلسات حكومة الرئيس تمام سلام، وكيف كان يسودها الهرج والمرج من دون أن يتمكن سلام من ضبط الجلسة، حتى لو ضرب بيده على الطاولة أكثر من مرة، ويروي كيف أنَّ سلام ضرب في إحدى الجلسات على الطاولة خلال إحدى المناقشات الحادة بينه وبين الوزير جبران باسيل والتي كادت أن تجعله يتّجه الى الإعتكاف.
ولأنَّ في لبنان ليس هناك من “أداء سياسي بريء”، فإنَّ كثيرين من المحللين ربطوا بين “التطيير المتعمَّد” للجلسة وبين توجيه رسائل في أكثر من اتجاه للحكومة. فالموازنة في تخبط والتعيينات في تخبط، وقانون الإنتخابات النيابية في تخبط، فكيف ستحتمل الجلسة كل هذه الفوضى؟
اعتاد الوزراء قبل الدخول إلى جلسة المجلس أن يُدلوا بتصريحات مقتضبة تعكس ما يمكن أن تشهده الجلسة من مداولات.
وزير الدفاع يعقوب الصراف وقبيل دخوله إلى جلسة الإثنين، قال للصحافيين إنَّ قائد الجيش العماد جان قهوجي سيبقى في منصبه حتى انتهاء ولايته، في أيلول المقبل، لكن هذا الكلام لم يرُق للبعض، ما جعله يتراجع عنه ليقول إنَّ ولاية العماد قهوجي تنتهي فور تعيين قائدٍ جديدٍ للجيش، ما يعني أنه إذا تم تعيين قائد جديد للجيش قبل أيلول المقبل، فلحظة التعيين تنتهي ولاية العماد قهوجي.
في الإستنتاج، تبدو هناك محاولات لتسريع تعيين قائد جديد للجيش من ضمن سلة تعيينات عسكرية وأمنية، وبين الأسماء المطروحة لقيادة الجيش ثلاثة عمداء هم:
كلود حايك، الياس ساسين وجوزف عون، من دون أن يعني ذلك أنَّ ليست هناك أسماء أخرى.
أما بالنسبة إلى قوى الأمن الداخلي فالإتجاه يميل إلى تعيين العميد عماد عثمان مديراً عاماً، وتعيين العقيد خالد حمود رئيساً لشعبة المعلومات.
أما رئيس جهاز أمن الدولة فترجِّح المعلومات أن يُرشَّح لرئاسته عميد من آل صليبا ولنيابة رئاسة الجهاز عميد من آل سنان.
لكن هذه الملفات دونها عراقيل ومحاولات لوضع العصي في دواليب القرارات، وقد تظهر قطبٌ مخفية تؤخّر التعيينات.
الموازنة ليست أفضل حالاً مما سبق، للأسباب التالية:
كيف بالإمكان إعطاء زيادة في أجور موظفي القطاع العام، التي هي محقة، من دون أن ترفق بإصلاح إداري؟
كيف تُعطى السلسلة قبل تحديد الحاجة إلى كلَّ هذا الجسم التعليمي حيث نسبة لا بأس بها منه دخلت السلك التعليمي عبر تنفيعات سياسية؟
ثم هل قرأ المعنيون قانون المحاسبة العمومية قبل أن يناقشوا في أرقام الموازنة؟
هل يعرفون أنَّ البند الأول يربط “إعداد الموازنة وتنفيذها، بقطع الحساب”؟
هل يعرفون أنَّ
كلَّ وزير يضع قبل نهاية شهر أيار من السنة مشروعاً بنفقات وزارته عن السنة التالية، ويرسله إلى وزير المالية؟
بما معناه أنَّه بعد ثلاثة أشهر يُفترض بالوزراء أن يضعوا موازنات وزاراتهم عن العام 2018 فيما مجلس الوزراء ما زال يتخبط بموازنة 2017.
مسكين البلد، ومسكين الشعب، لكنَّ السياسيين ليسوا مساكين، فمَن يتابع يومياتهم يتأكَّد كيف أنَّهم بعيدون عن هموم الناس ويعيشون في عالمهم الخاص.
الهام سعيد فريحه