إن المطالبة بأن يفعل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى دوره الوطني – الأمر الذي أسلفنا الحديث عنه – لا تعني بالضرورة انزلاق المجلس لمتابعة صغائر الأمور المحلية، بقدر ما تعني مواكبته للقضايا الوطنية الكبرى، فالمجلس الشيعي مؤسسة ملية يفترض أنها تمثل طائفة معينة، و تعمل على رفع مستواها، ما يعني أنها ليست حزبا سياسيا يهدف لاستقطاب الجماهير و المؤيدين!
و إن كانت الساحة الإسلامية اللبنانية بشكل عام تشهد خللا في الدور الذي تلعبه مؤسسات الطوائف الإسلامية فقط، دون المؤسسات الملية المسيحية!
و لعل سبب ذلك لارتباط مؤسسات المسلمين (المجلس الشيعي، و دار الفتوى، و مشيخة العقل، و المجلس العلوي) بالدولة اللبنانية بشكل مباشر، حيث إنها تتبع على وجه التحديد لرئاسة مجلس الوزراء.. هذا بخلاف واقع الساحة المسيحية، لوجود مسافة أكبر بين المرجعيات الدينية المسيحية و بين السلطة الرسمية.
و هذا أمر ضروري، كون المطلوب من هذه المؤسسات أن تأخذ دور المرجعية الدينية العليا للطوائف، و أي ارتباط إداري بالدولة يخضعها لسلطة أصحاب النفوذ، و هذا بعينه ما نعاني منه راهنا!
و إن وجود شخصية قوية على رأس المجلس الشيعي تحد من تدخل القوى السياسية ضمن المجلس، و هذا ما خبرناه سابقا إبان ترؤس الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين للمجلس الشيعي، حيث إن مكانته العلمية المتقدمة، و شخصيته القوية حالتا دون تمكن القوى السياسية من التأثير عليه بشكل عام، و إن كان الأمر لا يخلو من استثناءات، لكن بالإجمال تمكن الإمام شمس الدين من منع الساسة من التدخل في شؤون المجلس الشيعي.
و من المستحسن معرفة أن عمل مؤسسة كمؤسسة المجلس الشيعي يفترض أن يحتل الموقع الأبوي داخل الطائفة، و تاليا يعني أنه ليس من حقه الدخول في الزواريب الضيقة للسياسة المحلية، بل ينبغي عليه تعاليه عن ذلك، لكي يتمكن من تبوء الموقع الأبوي، و كلما زج نفسه بقضايا خاصة و صغيرة، كلما فقد دوره المطلوب اضطلاعه به..
و أسوأ من كل ذلك تحول المجلس الشيعي لمنصة للقوى الحزبية، الحالة التي نعاني منها في أيامنا، لأنه يتقزم دوره و ينحصر بأطراف معينة، دون أن يكون مرجعا و جامعا لكل القوى السياسية على اختلافها!
و أي مقارنة بين واقع المجلس الشيعي سابقا و واقعه الراهن يتضح الفرق و المراد بشكل جلي.
فمثلا في مرحلة الإمام السيد موسى الصدر كان المجلس مستوعبا لمختلف القوى السياسية وقتذاك، بما فيهم اليسار، ما ساعد قيادة المجلس لأن تسعى لاحتضان كامل الأفرقاء، و أما اليوم فقد تحول المجلس لبوق يعبر عن آراء جهات حزبية، ما يجعل المجلس يتعاطى مع بعض الأفرقاء الشيعة من موقع الخصم و ليس من الموقع الأب و الحاضن و الموجه..
نختم، ليبادر المجلس الشيعي لاستعادة مكانته الوطنية و الإسلامية و العربية، و ليكن بحجم الأمة، مستوعبا لكل أبناءه على اختلافاتهم السياسية، بل حتى و لو على خلافهم معه، و حينها يبدأ المجلس الشيعي بالكبر!!
الشيخ محمد علي الحاج العاملي