بعد طول انتظار دام أكثر من 11 عاماً يطل علينا مشروع الموازنة وكأنه سُحب من جارور قديم، مُسح عنه الغبار، أُضيف له جميع أسماء وانواع الضرائب والرسوم، ألحقت بها نسب عشوائية اختيرت بحثا عن موارد إعتباطية، بمحاولة خطيرة لتجفيف جميع مصادر رأس المال للشركات الصغيرة والمتوسطة وصولاً إلى تقويض قدرة العائلة من تطوير أوضاعها الاجتماعية والعائلية والانتقال من منزل إلى منزل أكبر !
لقد مسحت الموازنة المقترحة أمل كل شاب وشابة في الإبداع والنشاط وتأسيس الشركات في بلادهم.
وهذا الأثر السلبي سيبقى في ذهن الشباب اللبناني حتى لو لم تقّر هذه الموازنة المجرمة بحق الاقتصاد!
فأين مسؤولية الدولة في معافاة البطالة؟ كيف تخدم الموازنة الشركات الناشئة وتشجعهم في ظل الانكماش الاقتصادي الذي يتأثر بفلتان التجارة والصناعة العشوائية غير الشرعية لاسيما تلك التي يمارسها بعض اللاجئون السوريون وغيرهم دون حسيب ولا رقيب؟
هل تقصد الموازنة المقترحة تشجيع الاقتصاد الأسود؟ !
لماذا تعجز الدولة عن تأمين أموال السلسلة ولا تعجز عن تأمين أكثر من مليار دولار سنويًا لمؤسسة كهرباء لبنان؟
لماذا لا تحاسب الوزارة مؤسسة كهرباء لبنان عن الأموال غير المدفوعة منها للضريبة على القيمة المضافة التي تجنيها من الناس على هذا الأساس؟
ماذا عن عدم دفع المُترتبات لصندوق الضمان الاجتماعي عن كامل دخل الموظفين في تلك المؤسسة؟
لماذا يُسمح لمؤسسة كهرباء لبنان دفع ملحقات مُلغاة أساساً في مرسوم سلسلة الرتب والرواتب التي طالت موظفيها منذ سنة 2001 بالرغم من تطبيق السلسلة؟
وكيف يسمح للمؤسسة على مدى سنوات دفع رواتب لموظفي غير مقرّين في النظام الداخلي ولا حتى من قبل الوزارة الوصية أو وزارة المالية؟
ماذا عن الإيرادات وشرعيتها وكيفية ادخالها على إيرادات المؤسسة؟
من يراقب هدر المال العام في مؤسسة كهرباء لبنان؟
أين البيانات المالية للمؤسسة ولماذا لا تُنشر؟
وفي ظل تفاقم الفساد إلى مستويات غير مسبوقة وأعلى المرتبات العالمية، نسأل ما جدوى ديوان المحاسبة وما هي كلفته الحقيقية على لبنان في غياب فعّاليته (مؤسسة كهرباء لبنان، والمطار، والمرفأ، والنفايات، والجمارك، وصفقات سوكلين، والاتصالات، وعقود تشغيل مرفق جعيتا السياحي …)
وما هي نسبة الأموال المرصودة في هذه الموازنة من أجل رقابة مالية ناجحة توقف الهدر وتؤمن الدليل لمحاسبة المسؤول؟
ما هي واجبات النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة وهل تلعب دورها ضمن أهداف القانون؟
ما هي النتائج التي حصدناها من كلفة موظفين الديوان والنيابة العامة الخاصة به؟
هل تلحظ الموازنة إيرادات تحصّل من المخالفين والمختلسين المسؤولين؟
ماذا عن ملف المطار واستخدام السوق الحُرة دون الحصول على حقوق الدولة؟
هل تُبادر الدولة بملاحقة المسؤولين الذين أخفقوا أو الشركة المُستفيدة من السوق الحُرّة خلافاً للقانون؟
أم أنها تغض النظر ولا نية لها بالمُسائلة؟
ماذا عن مُخالفات الاملاك العامةالبحرية مع وقف التنفيذ منذ 1999؟
هل تلحظ الموازنة إيرادات ضرائب ورسوم من شركة سوليدير وطيران الشرق الأوسط، أم أنها تُعفيها كما فعلت طوال مدة لا تقل عن عشرين عاماً؟
هل تُعفي الموازنة جميع الشركات المُتضرّرة من الجمود الاقتصادي حتى يسمح الظرف لهم بالنهوض؟
أم أن الشعب يدفع والأسياد لا تدفع؟
ألا يوجد خلل دستوري باعفاء البعض من اللبنانيين وزيادة الضرائب على آخرين؟
هل تزيد الموازنة المقترحة الضريبة على المصارف وفق شطور تسمح لكل مصرف بتحمّل الضريبة وفقاً للربح المُحقّق؟
بعد حماية القطاع المصرفي حتى أصبحت مصارف لبنان تنافس المصارف العالمية، ألم يحن وقت رد هذا الجميل للشعب والوطن؟
ألم يحن الوقت بعد لحماية القطاعات الأخرى كالقطاع الصناعي والفكري والمعرفة والتكنولوجيا، وخلق فرص عمل للشباب والشابات اللبنانيين؟
هل لحظت الموازنة المقترحة هذا الدعم، أم اكتفت بدعم الشمندر والسكر؟
ماذا عن صناعة الملح وعن صناعة الحرير وعن صناعة زيت الزيتون العالي الجودة وعن صناعة الملابس والأحذية لتتماشى مع نهضة قطاع مصمّمي الأزياء وقطاعات صناعية أخرى صديقة للبيئة ؟
هل تضمّنت الموازنة مشروع متكامل لتمويل معالجة النفايات من تدريب وتوعية للفرز من المصدر والتنسيق مع الشركات المعنية لشراء المواد المفرزة والصالحة للتدوير وتخفيض كلفة معالجة النفايات في لبنان؟
ماذا عن الصندوق البلدي المُستقل؟
هل تشرح الموازنة ما هي حالة هذه الأموال العامّة التي في الصندوق ومن يتصرّف بها وكيف تُنفق؟
ماذا عن الإيرادات الناتجة عن الوزارات هل تم تحديث آلية الرقابة لتتمكن وزارة المالية من تحديد مجموع هذه الإيرادات وكيفية استخدام هذا الجزء من المال العام؟
ماذا عن الصناديق والمجالس؟
أما حان الوقت لحل المجالس كُلها كون أسباب وجودها قد انتهت؟
فلم نعد نحتاج إلى مجلس الجنوب والّا احتجنا إلى مجلس للشمال وآخر لبيروت التي تعطي ويؤخذ منها!
ولم نعد نحتاج لمجلس الإنماء والإعمار الذي للأسف لم يظهر فعاليته على الأرض بالرغم من الفرص العديدة المكلفة التي أتيحت له وعلى رأسها ملف النفايات حيث كان جزئاً من لعبة الفساد وسمح بتزوير الأوزان التي قبضت على أساسها سوكلين مبالغ طائلة من جيوب الشعب اللبناني.
هناك ما لا يقل عن مجموعة من 80 جمعية او مجلس أو لجان عديدة غير فعالة منذ سنوات، هل أُلغيت في الموازنة المقترحة، أم أن المال السياسي بقي على ما عليه؟
ماذا عن الوزارات هل تضمنت الموازنة المقترحة ضم ما يجدي من مجلس الإنماء والإعمار ومكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية إلى وزارة التخطيط المستحدثة؟
هل وجدت بديلاً للوضع الحالي لمؤسسة كهرباء لبنان ومؤسسات المياه وشركات الخليوي، وتلفزيون لبنان، كتحويلهم إلى شركات عامة وتوزيع الأسهم وتلزيم الإدارة لمختصين والاحتفاظ بنسبة من الاسهم والأرباح للدولة؟
ماذا عن وزارتي المُهجرين والإعلام على سبيل المثال؟
وصندوق المهجرين إلا يكفي هدر الرواتب والنفقات السنوية؟
هل شرحت فزلكة الموازنة المقترحة ما هو الإنفاق الذي زاد عن قاعدة الاثني عشرية مقارنة مع سنة 2005 أي آخر موازنة مقرة في الدولة اللبنانية؟
هل لحظت الموازنة الُمقترحة كلفة ومردود تنفيذ اقتراحات مفوضي المراقبة الجوهرية الصادرة في تقاريرها عن الأوضاع المالية والإدارية للمؤسسات العامة؟
وهل لحظت ملاحقة المخالفين واسترداد المال العام؟
أم أنها لحظت جميع المساعدات والهبات التي تتلقاها الدولة من جهات خارجية وتشرح كيفية وجدوى انفاقها؟
إصلاحات كثيرة تنقص مشروع الموازنة 2017 الذي إن دلّ على شيء بعد غياب طويل فهو على أن المسؤولون لم يستثمروا الوقت الضائع في تطوير آلية عملهم ولا بتحديث النظام الإقتصادي لتفعيل القدرة الشرائية للدولة في نهضة الإقتصاد أو أقله في منع الإنزلاق إلى الهاوية.
مشروع موازنة، كان الأفضل رده من اليوم الأول، حتى يعود إلى الحكومة بعد التواصل مع الوزارات والإدارات المعنية بالتخطيط والخدمات المنتجة كالاتصالات والكهرباء والمياه، والاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة والسياحة على الأقل.
إذ أن السرعة في سلق موازنة تعدم الاقتصاد هو أسوء بكثير من غيابها!
النقيب جينا الشماس
خبيرة في شؤون المال والموازنة
احترم لبنان RESPECT LEBANON