هل سبق وسمعت بحادثة كشتيم؟
إنها واحدة من أسوأ الكوارث النووية على مر العصور، فالإشعاعات الناتجة عنها تعد أكبر من نظيرتها الناتجة عن كارثة انفجار مفاعل تشيرنوبل.
لكن حادثة كشتيم بقيت سراً على مدى 30 عاماً، أخفته روسيا عن العالم ببراعة، ولكن كل الأسرار تنكشف مهما طال الزمن، خصوصاً وأن السر يهدد العالم.
كارثة أسوأ من تشيرنوبل
وقعت هذه الكارثة النووية في 29 أيلول من عام 1957 في منطقة ماياك الواقعة جنوب شرق جبال الأورال، في مفاعل كان يعمل على إنتاج بلوتونيوم للأسلحة النووية ويعيد معالجة الوقود.
وبعد وقوع فشل في أحد أنظمة التبريد، انفجر خزان النفايات وتصاعدت سحابة من المواد المشعة في الهواء، والتي لوثت مساحة من الأرض تصل إلى أكثر من حوالي 8 كيلومترات عرضاً وما يقرب من 110 كيلومترات طولاً.
انبعثت نتيجة لذلك كميات كبيرة من المواد المشعة، ومن بينها النظائر المشعة بعيدة المدى، كعنصر السترونتيوم – 90 (Strontium-90) ورمزه (90 Sr)، وهو النظير المشع للسترونتيوم وعمر النصف له 29 سنة، وعنصر السيزيوم – 137 المشع وعمر النصف له 30 سنة، وعنصر البلوتونيوم المشع – 239 وعمر النصف له 24.110 سنة.
وطبقاً لما ذكره شهود عيان، شوهد الانفجار على بعد مئات الكيلومترات.
نتج عن هذا الانفجار المفاجئ إجمالاً ما يقرب من 80 طناً من النفايات النووية مع نشاطات إشعاعية تقدر بـ 740 مليون غيغا بيكريل.
وتسربت هذه النفايات المشعة في نطاق مساحة أرضية تصل إلى حوالي 20 ألف كيلومتر مربع؛ الأمر الذي أدى إلى تسمم القرى والغابات والأنهار والبحيرات المحيطة وتلوثها.
أكاذيب الاتحاد السوفييتي
أخفى السوفييت هذا الحادث لمدة 30 عاماً، إذ إن التلوث كان محدوداً على المستوى الإقليمي فقط وحتى جبال الأورال.
لم يتمكن سكان غرب أوروبا إثبات أي أثر من آثار الحادث وتداعياته، بالإضافة إلى أن الصحف السوفيتية تعاملت مع الانفجار على أنه مجرد “حادثة برق” و”شفق قطبي”.
أما المعلومات الأولية حول الحادث فلم تظهر إلا في عام 1976 وذلك من خلال مقالات للصحفي السوفيتي المعارض ألكسندروفيش ميدفيديف، والتي نشرها في صحيفة “نيو ساينتست” الموجهة إلى الجمهور الغربي.
والعجيب أنه بعد حدوث الكارثة تم تصريف المياه الملوثة في بحيرة Techa، وأُلقيت النفايات المشعة عالية المستوى في نهر قريب من محطة ماياك أوزايورسك، والذي كان يأخذ النفايات لنهر أوب، ويتدفق نزولاً إلى المحيط المتجمد الشمالي، ثم استُغلّت بعد ذلك بحيرة القراشاي التي تقع على مقربة من مكان حدوث الكارثة لإلقاء النفايات بها.
وتتجاوز كتلة السيزيوم الذرية اليوم مائة ضعف الكتلة الذرية في الحالة العادية، وفي عام 2000 وحدِه، وفقاً للأرقام الرسمية، وُجد أكثر من 250 مليون متر مكعب من المياه في بحيرة Techa، والتي تحتوي على آلاف الكريات من التريتيوم والسترونتيوم والسيزيوم.
ويرى بعض الباحثين والخبراء في “منظمة العالم الأخضر” الروسية أن معدل تركيز التريتيوم وحده في النهر تجاوز وزنه النسبي بمقدار 30 ضعفاً ما كان عليه قبل ذلك.
رسائل مجهولة المصدر
وفي نيسان 2011، نشرت صحيفة روسيا المعاصرة الإلكترونية العديد من الرسائل مجهولة المصدر، والتي أعرب فيها الكُتَّاب عن قلقهم البالغ إزاء الأوضاع البائسة والمُزرية الناتجة عن تلك المشكلة.
وأوضحت الكتابات أن أنظمة التبريد والمصارف الخاصة بالعديد من المنشآت الذرية في ماياك باتت على وشك التحطم والانهيار.
فقد استُخدمت مواسير رديئة الصنع صنعت في الصين، لا يصلح استخدامها في المنشآت السكنية فما بالك بالذرية؛ الأمر الذي ينذر على حسب ما ذكره أصحاب الرسائل بكارثة نووية.
خطر يهدد المحيط القطبي
يدخل تقريباً بشكل سنوي ما يقدر بـ 10 ملايين متر مكعب من النفايات الإشعاعية السائلة إلى مياه المحيط القطبي، ما أدى إلى تسمم مياه الأنهار الواقعة في منطقة المحيط.
ولم تبد الحكومة أي اهتمام تجاه تهديد منطقة الموت هذه، وكأنه يُراد -على ما يبدو- أن يستمر حجبها عن الرأي العام.
في موسليموفو يموت الإنسان في فترة شبابه
وتعد الصلبان الخشبية المعلقة على المقابر الموجودة في تلك المنطقة شاهداً صامتاً على الكارثة، إذ قلما يتجاوز عمر أبنائها مرحلة الشباب، حيث ينتشر بين أهلها سرطانات المعدة والرئة ولوكيميا الدم وأورام المخ.
ووفقاً لما ذكرته إحدى المزارعات التي تعمل في تلك المنطقة في حوار لها مع الإذاعة الألمانية الفرنسية، فإن معظم أهالي تلك المنطقة وأطفالها يعانون من الأمراض وصداع الرأس.
وأضاف ميدفاخ ميدراشو أحد كبار السن المقيمين في إقليم موسليموفو في نفس الحوار أن الحكومة المحلية التي تدير شؤون هذه المنطقة لا تؤمن أي ماء للشرب، مما يضطرهم إلى الذهاب للنهر ليرووا عطشهم.
وأشار إلى عدم قدرتهم على فعل أي شيء ضد تلك الممارسات، فهم يعانون من الجوع ولا سبيل لهم إلا فعل ذلك، بل حتى الحيوانات والماشية في المنطقة تشرب من النهر المسمم، مما يجعلهم يعيشون في بيئة ملوثة من كل جانب.
الموت صاحب وفيّ
ولا يتقاضى سكان تلك المنطقة سوى تعويضات ضئيلة جداً؛ حيث يتم صرف ما يعادل يورو واحداً عن كل شهر للعاطلين والأطفال والمتقاعدين، وما يعادل 4 يوروهات لكل موظف، ويسقط تماماً حق طلب أي تعويضات عن كل إنسان غادر موسليموفو، في حين أن صحته تبقى مهددة بأضرار الإشعاع، بل يلاحقه خطر الموت أنّى ذهب.
تحذيرات الخبراء
يحذر خبراء الغرب بالفعل منذ عدة أعوام من أن حدوث أي صدع في السد يمكن أن يؤدي إلى كارثة، فهناك ما يقرب من 400 مليون متر مكعب من المياه المشعة والنفايات التي يمكن أن تغمر القرى.
إذ إن الكتل المائية المشعة لا تحتاج سوى بضعة أيام لتتجاوز شبكة المياه الكائنة بمدينة توبول-الإيرتيش-أوب حتى تصب في المحيط القطبي الشمالي.
وفي خلال 20 أو 30 عاماً سيجد سكان النرويج نويدات مشعة في ثروتهم السمكية.
ولا يعدُّ هذا سوى جزءً بسيط من المشكلة، إذ إن الضرر سيلحق بمساحات الأراضي الممتدة حتى القطب الشمالي، فتؤذي بطريقها البشر والحيوانات والنظام البيئي بأكمله.