ما يأخذه رؤساء الجمهورية ورؤساء الحكومات، السابقون، والنواب السابقون، تنطبق عليه صفة المعجَّل، وما يجب أن يأخذه الناس من حقوق، تنطبق عليه صفة المؤجَّل.
فالموازنة العامة، لضبط الإنفاق وتحديد الواردات، مؤجَّلة منذ إثني عشر عاماً، لكنَّ تعويضات ومخصصات رؤساء الجمهورية السابقين ورؤساء الحكومة السابقين والنواب السابقين، تُقرُّ بلمح البصر وتصدر بلمح البصر في الجريدة الرسمية لتُصبح نافذة.
في عدد الجريدة الرسمية الرقم 8، من هذه السنة، تاريخ 16 شباط 2017، ورد القانون الرقم 7، وتضمن ما يلي:
“… في حال وفاة المستفيد، تتقاضى أسرته كامل المخصَّصات والتعويضات المستحقة له بموجب هذا القانون”.
والقانون الآنف الذكر هو القانون الصادر في 25 أيلول 1974، والذي كان يتحدث عن % 75 من المخصَّصات والتعويضات، فجاء القانون الجديد ليرفع القيمة مئة في المئة!
كلُّ الأمور أُنجزَت في البلد:
تلاشى الدين العام، عادت الكهرباء 24 ساعة على 24، تحسَّنت أوضاع الطرقات، تمَّ تنظيف المجاري والسواقي، صارت الإنترنت أسرع، انتهت أزمة النفايات، زادت الإيرادات على النفقات.
حصل كلُّ ذلك ولم يتبقَّ من استحقاقات لتُنجَز، سوى إعطاء رؤساء الجمهورية السابقين ورؤساء الحكومات السابقين والنواب السابقين التعويضات والمخصَّصات التي تُعطى لهم مئة في المئة!
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:
كيف يكون التفويض للنائب، بوكالته عن الشعب، لأربعة أعوام، ثم يُعطَى الراتب والتعويضات والمستحقات مدى الحياة “على آخر قرش”، وحتى بعد الوفاة تتقاضى أسرته كامل المخصَّصات
والتعويضات المستحقة؟
هل بلغ بنا الترف أن ندفع لمجلس نوابٍ حاليّ ولمجلسٍ نيابيّ من “السابقين”؟
حين يعرف الشعب أنَّ عدد النواب السابقين هو بالمئات، سيستنتج أنَّه يدفع من جيبه، من الضرائب، لأكثر من مجلس نواب:
واحدٌ حاليّ وثانٍ سابق، وربما ثالث.
يبلغ إجمالي الكلفة المترتبة عن هذا التعديل نحو مليارين و500 مليون ليرة لبنانية سنوياً، تضاف إلى نحو 58 ملياراً هي مجموع ما يتقاضاه الرؤساء والنواب السابقون أو عائلاتهم، والمقصود بـ”الأسرة”:
الزوجة أو الزوجات (وتفقد هذا الحق في حال زواجها مجدّداً)، الأولاد الذكور الذين لم يُتموّا الثامنة عشرة من عمرهم، الأولاد الذكور الأعلاّء والعاجزون عن كسب العيش، الأولاد الذكور الذين يتابعون دراستهم الجامعيّة حتى إكمالهم الخامسة والعشرين، البنات العازبات أو الأرامل أو المطلّقات.
كلُّ هؤلاء يستمرون يقبضون المستحقات والمخصصات والتعويضات مئة في المئة.
الكلفة السنوية لهذه المستحقات والتعويضات تلامس الستين مليار ليرة، أي ما يقارب الأربعين مليون دولار، وهذه الكلفة ترتفع كلَّ أربع سنوات وعند تسمية رئيس جديد للحكومة وعند انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فهل هذه الكلفة تجوز في بلد يرزح تحت ديون فاقت الثمانين مليار دولار؟
ولأنَّ اللبناني يحبُّ المقارنات، ولأنَّ مجلسنا النيابي الكريم يهوى “الثقافة البرلمانية”، لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ النائب في مجلس النواب الفرنسي لا يتمتَّع بالترف الذي يتمتع به النائب اللبناني وأسرته، فكلُّ ما يتقاضاه بعد انتهاء ولايته هو مجرد “مساعدة إلى حين العودة إلى العمل”، وهذه المساعدة تُخفّض مع مرور الوقت، ولا يمكن أن تتخطى السنوات الثلاث.
ثلاث سنوات في فرنسا، وأكثر من ثلاثين سنة في لبنان يستمر النائب السابق فيها، في أخذ مستحقاته.
مَن قال إنَّ فرنسا هي أمُّنا الحنون، نحن “أمُّ الدنيا” في البذخ والهدر على النواب!
الهام سعيد فريحه