“بوتين يختار مارين لوبان لتحكم فرنسا”، اختار الصحافيان كريستوفر ديكاي وآنّا نيمتسوفا هذا العنوان لمقالتهما في موقع “دايلي بيست” الأميركي، بعدما استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرشّحة اليمين المتطرف للرئاسة الفرنسية مارين لوبان، يوم الجمعة في الكرملين.
وكتبا أن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية العام الماضي، كان “لبقاً” مقارنة بما شاهده العالم هذا الأسبوع، في سياق الحملة إلى الانتخابات الفرنسية.
وقد تساهم هذه الأخيرة في تغيير السياسة والدفاع والاقتصاد في أوروبا بطريقة أكثر جذرية، وأكثر خدمة للمصالح للروسية ممّا كانت عليه الانتخابات الأميركية.
لقد دعم بوتين “مرشحّته”: يمينيّة متطرّفة، مناهضة للاتحاد الأوروبي، والناتو والمهاجرين، مارين لوبن. ولفت الصحافيان إلى أنّه “طبعاً” قال بوتين إنّ بلاده لا تريد التدخل والتأثير بأي حال من الأحوال على الأحداث في فرنسا.
“لكنّ حكومته استقبلت لوبن كما لو كانت قد صارت فعلاً رئيسة للدولة في باريس”.
حصلت على الملايين
أولغا بيشكوفا، نائب رئيس التحرير في الإذاعة الروسية صدى موسكو قالت إنّ الاستقبال الذي خُصّصت به لوبان كان “مؤثراً”. فهي التقت زعماء مجلس الدوما ثمّ توجهت إلى معرض فني مخصص لفرنسا في الكرملين قبل أن تلتقي بوتين.
ونقل الصحافيان عن بيشكوفا قولها إنّ هذا النوع من البرامج تخصصه موسكو لزعماء الدول.
وفي عام 2014، حين فشل حزب لوبان بالحصول على أي قرض، توجهت إلى إحدى المؤسسات في روسيا وحصلت على الملايين.
ما هو أهم من التمويل
في نفس الوقت تلقّى بوتين دعم حزبها لسياساته في القرم. كما هاجمت لوبان واشنطن عدة مرات متهمة إياها بإشعال الحرب الباردة الجديدة. ولا يستبعد الصحافيان أن تكون زيارتها لموسكو ك “حليف وفيّ يبحث عن مزيد من التمويل”. لكنّ بيشكوفا لا تقيم أهمية كبيرة للتمويل: “إذا أمِلت في الحصول على المال من أجل حملتها أم لا، هي أتت إلى روسيا من أجل (أن تحصل على) دعم بوتين وهي قد حصلت عليه بالفعل”. كذلك، رأى الصحافيان أنّ لقاء بوتين كان أهم بكثير وأكثر تأثيراً من الحصول على قرض.
ببّغاوات
إنّ فوز لوبان قد يكون انتصاراً مثيراً لبوتين، “ويبدو أنّه يفكر بكون دعمه الصريح/الضمني سيعود عليها بالمنفعة”.
من جهة النخب السياسية الفرنسية، فإنها قد تشجع بوتين على هذه الخطوة.
ففي المناظرة التلفزيونية يوم الاثنين الماضي، من بين خمسة متنافسين للفوز بالرئاسة، ثلاثة منهم وجدوا طرقاً لترداد موقف روسيا “ببّغائياً” حول العديد من المواقف الحاسمة.
لوبان هاجمت حلف شمال الأطلسي (الناتو) لأنها كانت تدافع “عن حرية الفرنسيين” ولأنها لم تكن لتريد “إجبار جنودنا على الذهاب إلى حروب لم نقررها”.
مرشّح اليسار المتطرف جان لوك ميلانشون قال: “أريد أن أصبح رئيس السلام.
يجب أن يكون هنالك مؤتمر أمن من الأطلسي إلى الأورال. إنّه الوقت لمناقشة الحدود”.
موسيقى لآذان بوتين
عقّب الصحافيان على هذا الكلام كاتبين أن “لا شيء يمكن أن يكون أكثر موسيقيّة لآذان بوتين” من حديث لوبان وميلانشون، خصوصاً أنه يشنّ مختلف أنواع الحروب على الحدود الأوروبية.
لكن حظوظ ميلاشون شبه معدومة في تخطي الجولة الأولى من الانتخابات.
كذلك، أشاد فرانسوا فيون، رئيس الوزراء الفرنسي لخمس سنوات في عهد ساركوزي، بالرئيس الروسي يوم الاثنين، قائلاً إنّه يجب على فرنسا العمل في الشرق الأوسط مع موسكو وطهران ولم يذكر واشنطن. لكنّ بوتين “لن يراهن على فيون عند هذه النقطة” بسبب سلسلة الفضائح التي طالته مؤخراً والتي جعلته يحتل المركز الثالث في استطلاعات الرأي بعدما كان الأوّل.
الأكثر تدميراً للناتو
انطلاقاً من واقع فيون الجديد، وعلى الرغم من كونه وميلانشون يتقاسمان الكثير من الأفكار مع بوتين، إلّا أنّ الأخير قرر مساندة لوبان الجمعة.
“ستكون إلى حد بعيد الأكثر تدميراً للناتو والاتحاد الأوروبي”.
والسؤال الذي يُطرح الآن هو إذا كانت قادرة على المحافظة على زخمها إلى الجولة الثانية. ويبدو إلى الآن، أنّ إيمانويل ماكرون وزير اقتصاد سابق في حكومة هولاند، سيلاقيها في الجولة الأخيرة.
وكان ماكرون داعماً جداً في المناظرة الأخيرة للاتحاد الأوروبي والناتو.
وحين حاولت لوبان السخرية منه قائلة إنه سيتحدث لمدة سبع دقائق بدون أن يقول أيّ شيء مهم، أجاب: “بعكسك، لا أريد عقد اتفاق مع بوتين. أنا أريد الأوروبيين”.
هل يسحب بوتين الزناد؟
آخر استطلاع رأي جرى الخميس الماضي أعطى ماكرون تفوقاً على لوبان بنسبة 1% في الجولة الأولى، فيما سيحصد 61.5% من الأصوات مقابل 38.5% في الجولة الثانية.
لكنّ الصحافيين لا يدعوان المراقبين للاطمئنان خصوصاً أنّ العديد من المصوتين لم يحسموا أمرهم وآخرون قد يلازمون منازلهم.
“هل يقدر بوتين على سحب الزناد؟ حملة ماكرون تذمّرت من هجمات قرصنة شاملة”.
كذلك، قال مدير الأف بي آي جايمس كومي في شهادته أمام الكونغرس الأسبوع الماضي، إنّ “الروس كانوا يصرخون على غير عادة” في تدخلهم بالانتخابات الأمريكية و “كانوا تقريباً كأنهم لم يأبهوا إذا علمنا”.
وختم الصحافيان مقالهما كاتبين: “لم يكن ذلك شيئاً نسبة لما نشاهده الآن في الانتخابات الفرنسيّة”.