في لبنان اليوم ثلاث مقاربات مختلفة للمشكلات التي يعاني منها الناس :
– الأولى شعبية – مبسطة: نابعة من الوجع الإقتصادي والمعيشي وهي تَرمي المسؤولية في ما وصلت اليه الأمور على «الطبقة السياسية» مجتمعة وتتّهمها بـ«الفساد والسرقة وتقاسم المغانم»، وتطالبها بحدٍّ أدنى هو تحمّل مسؤولياتها في تأمين ما يحتاج إليه الناس من مقومات أساسية لحياة كريمة كالطبابة والإستشفاء والعلم والسكن والخدمات والنقل الخ…
وبحدٍّ أقصى هو الرحيل عن السلطة وترك المسؤولية لمجموعة جديدة من السياسيّين لإنجاز ما عجزوا هم عن تنفيذه على مدى عقود.
وتُعبّر هذه المقاربة عن نفسها من خلال التحرّك في الشارع عبر هيئات المجتمع المدني والنقابات وغيرها من المصرّين على وجوب الفصل بين «حقوق الناس» الحياتية والمعيشية وبين الواقع والاعتبارات السياسية على قاعدة أنّ الأزمات الإقتصادية وحاجات الناس لا تُفرّق بين منطقة وأخرى، أو بين طائفة وأخرى.
– الثانية سياسية – عملية: نابعة من قواعد علمية ترتكز على أنّ السياسة هي أساس كل القرارات. وبالتالي فإنه من المستحيل إيجاد أيّ حل للمشاكل الإجتماعية والإقتصادية والأمنية والعسكرية للبنان من دون مرجعية واحدة لا يمكن أن تكون إلّا الدولة اللبنانية بمؤسساتها الشرعية المختلفة شرط أن تكون صاحبة سيادة كاملة ومطلقة على أراضيها وقراراتها وشعبها ومقدراتها كافة ومن دون أيّ استثناء.
وتُعبّر هذه المقاربة عن نفسها من خلال كيانات سياسية وحزبية قرَّرت أن تكون في موقع «المعارضة» للتسوية الرئاسية والحكومية التي تمّ التوصل اليها قبل أشهر، وللسياسات التي تعتمدها تحت عنوان «الواقعية السياسية».
وتصب في هذا الإطار، ولو بتمايزات وخصوصيات واضحة، محاولة عشرات الناشطين إعادة الإعتبار لشعارات انتفاضة الإستقلال من خلال إطلاقهم «14 آذار – مستمرون»، والنهج المعارض الذي يعتمده رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، والموقف التاريخي لحزب «الوطنيين الأحرار» وغيرها من القوى السياسية والحزبية.
وعلى رغم أنّ أيّ رابط تنظيمي لم يقم بعد بين هذه القوى باستثناء مشاركة رسمية لحزب «الوطنيين الأحرار» في «14 آذار – مستمرون»، فإنّ التناغم في الطروحات بين هؤلاء الفرقاء يمكن في حال تمّ العمل عليه أن يتحوّل عملاً جماعياً – جبهوياً يتكتّل من حوله رأي عام وازن ومؤثر في مسار الحياة السياسية اللبنانية.
– الثالثة استراتيجية – إقليمية: نابعة من قراءة معمّقة لطبيعة الصراع الطائفي في المنطقة وانعكاسه على أوروبا والعالم، وللمتغيرات التي يشهدها العالم العربي، وللصراع العربي – الإيراني على النفوذ الإقليمي.
ولأصحاب هذه المقاربة التي لا تزال محصورة بقادة رأي وسياسيّين ينشطون في أروقة مغلقة على خط الأزهر وبكركي في محاولة لبلورة خطة عمل وجهة نظر تقول إنّ الحلول تبدأ بإيجاد الأطر الكفيلة بتفكيك الصراع السنّي – الشيعي، وباحتواء «الإسلاموفوبيا» في الغرب من خلال دور بارز يتولّاه مسيحيّو الشرق من ضمن استراتيجية للحفاظ على حضورهم ودورهم السياسي الرائد بعيداً من الدعوات الى «تحالف الأقليات» وغيرها من الطروحات المؤجّجة للصراعات التي ترتدّ سلباً على كل مكوّنات المنطقة وخصوصاً على المسيحيين حضوراً ودوراً وثقافة.
صحيح أنّ لكل من المقاربات الثلاث الأسس المنطقية التي تقوم عليها، إلّا أنّ وسائل العمل تبدو متناقضة ومختلفة متى قاربت الإطار التنفيذي الذي يسمح لها بالتكامل في استخدام الوسائل لتحقيق أهدافها.
ففي حين ترى المجموعة الأولى في الشارع متنفّساً لها، ترى المجموعة الثانية («14 آذار- مستمرون» وبعض القوى السياسية والحزبية) أنّ بناء جبهة سياسية وشعبية معارضة هو الحلّ، وتسعى المجموعة الثالثة الى التركيز على الناحية الفكرية للصراع وأسبابه ومعالجاته.
لذلك، فإنّ النجاح في مواجهة الواقع الحالي المأزوم والخروج منه يتطلب :
1- من أصحاب المقاربة الشعبية الإقتناع بأنّه لا مجال لأيّ حلول إقتصادية أو معيشية بمعزل عن الحلول السياسية – السيادية القائمة على الدستور والقوانين المحلية والدولية وليس على تسويات تفرضها موازين القوى الناجمة عن الصراع في المنطقة وتأثير سلاح «حزب الله» على الداخل.
2- من أصحاب المقاربتين السياسية والإستراتيجية توحيد الجهود ووضع خطة مواجهة ترتكز على الإطار التنظيمي الجبهوي المعارض الذي يسعى إليه أصحاب المقاربة الثانية السياسية – العملية على أن يأخذ في الاعتبار عند رسم السياسات الكبرى للخروج من الواقع اللبناني المأزوم وجهة نظر أصحاب المقاربة الثالثة الإستراتيجية ومعطياتهم وعلاقاتهم الإقليمية والدولية.
نوفل ضو -عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار