مجموعة من الأحداث عرفتها الساحة اللبنانية في الاسبوعين الماضيين ينبغي التوقف عندها وتحليلها، لا بهدف التوصل الى نتائج او استخلاص عبر، فهذا أمر لا يفيد في واقعنا، وإنما للتأكد أكثر فأكثر من تصرّف مجموعات السلطة غير المبالية بالرأي العام اللبناني وتحكّمها المستمر بقواعد اللعبة.
فهذه السلطة بكلّ أشكالها وألوانها التي لطالما خرَقت المواعيد الدستورية بكل سهولة ومن دون خوف، ضاربة عرض الحائط بأبسط القواعد القانونية، فعملت على التمديد للمجالس النيابية من دون أن يرفّ لها جفن وأدخلت البلاد في ازمات تشريعية لا تنتهي وفصّلت قوانين انتخابية على قياسها بهدف الاستمرار في السلطة…
هي التي حرَمتنا الكهرباء والماء وجعلتنا نمضي حياتنا على الطرقات صيفاً بحجة الزوار وشتاءً بسبب الامطار ميزة لبنان في هذا الشرق الحزين.
هذه القوى مجتمعة بكل جبروتها أرادت أن تقنعنا بأنها خافت من أقصوصة ورق وبأنها تراجعت عن استكمال إقرار سلسلة الرتب والرواتب بعد بثّ مجموعة من الاشاعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن نيّتها فرض ضرائب غير مطروحة للنقاش…
أي إنّ هذه الطبقة التي امتهنت التنكيل بنا بسبب سكوتنا أرادت بكل وقاحة أن تبرهن لنا بأنّ ضميرها استفاق وأنها خائفة من إشاعة مجهولة المصدر على الرغم من تكليف مَن يلزم بالكشف السريع عن مصدرها…
ولكنّها لم تشرح لنا لماذا تخاف، خصوصاً أنها ستتفق عاجلاً أو آجلاً على قانون انتخابي يُبقيها صامدة مستمرة بكل قوة، وأقصى ما سيحصل هو تبدل طفيف في جلدتها وتجدّد في شبابها.
لماذا تخاف؟ طالما أنّ العامل الخارجي بعدم التخلّي عن أركانها بحجة تأمين الاستقرار مستمر… وطالما أنّ العوامل الداخلية، منها الطائفي وطبيعة شعب يعشق الصمت والتحمّل وتعوّد على الصبر، لم تتبدّل، ما يمكن هذا الطقم من البقاء سعيداً مطمئناً على الرغم من تغيير الاحوال وتبدل الظروف.
وإذا كان الحال على ما هو عليه، لماذا هذا التراجع عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب؟
الجواب الأوّلي قد يكون بأنّ هناك قوى وازنة لا تريد أن تمرّ هذه السلسلة، فاستغلت كره الناس المحقّ من فرض الضرائب لتطيير الجلسة.
ولكنّ هذا التحليل يبقى ناقصاً إذا لم نضف إليه العامل الأساسي في صمود هذه الطبقة والمتمثّل في دهاء اللاعبين الاساسيين فيها، الذين يستطيعون إذا ما استشعروا بأنّ مصالحهم في خطر أن يقوموا بحركة التفافية تقوم على احتواء الموقف تمهيداً للسيطرة عليه وإلهاء الناس بأمور أخرى.
وفي حالتنا فإنّ هؤلاء أخافتهم الموجة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والتي ضمّت العديد من الانصار والملتزمين، اضافة الى الضغط الاقتصادي والاجتماعي الذي راح يتصاعد مع اشتداد الازمات…
إضافة الى مناكفات مضبوطة السقف في ما بينها، فعملوا على استيعاب الموقف عبر فرط النصاب وتكثيف المؤتمرات الصحافية لتبرير موقف كل كتلة من الضرائب ومن ثم عملوا على استيعاب التحرك الشعبي، عبر إلهائه بتقديم مشاريع انتخابية لن تُقرّ…
والعمل على إقرارمشروع موازنة جديد يمكنهم من ادخال الضرائب الى عقول الناس بكل هدوء، كما ينتشر الزيت في القطن، مع علمهم المسبَق بقصر نفس ما يُسمّى بالحراك المدني وبانقساماته المميتة…
هكذا تم استيعاب الشارع وبقيَ سيف الضرائب الجديدة مصلتاً فوق الرؤوس…
هذه الاحداث والوقائع وكيفية تعاطي كل من السلطة والرأي العام معها، تؤكّد أنّها سلطة باقية الى سنين عدة برعاية خارجية وحماية داخلية، إلّا إذا…
المحامي انطوان ع. نصرالله