بارقة أمل : فضل الله شريف عضواً للمجلس التنفيذي للاتحاد العمّالي العام

الاتحاد العمالي العام هو الهيئة الأكثر تمثيلاً لعمال لبنان وهيئة مكتب المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي، والمؤلفة من اثني عشر عضواً، من بينهم رئيس الاتحاد، وهي قمة الهرم النقابي للحركة العمالية اللبنانية.

من هذا الموقع القانوني والنظامي فإن هذه القيادة تعتبر من ركائز المجتمع والضامن للحرية والديموقراطية فيه، ودورها الأساسي حماية الإنسان العامل والمحافظة على حقوقه ومكتسباته المادية والاجتماعية، ومنوط بها المراقبة والمحاسبة الحثيثة من أجل تكريس هذه الحقوق والمكتسبات ضمن ما تؤمنه مبادئ الديموقراطية وما نصت عليه شرعة حقوق الإنسان وما كفله الدستور اللبناني.

بكل أسف، وتحت وطأة انعدام الاستقرار الوطني، عانت قيادة الاتحاد خلال ربع قرن الانشقاقات والوهن والخيبات، وفقدت أهم ركائز وجودها، ثقة من تمثل، هذا الواقع المتردي يعطي الأهمية لما حدث ظهر يوم الأربعاء في 15 آذار 2017، وهو انتخاب قيادة جديدة للاتحاد العمالي، وعلى أهمية هذا الحدث الوطني وما رافقه من إيجابيات لم يلق بنظري ما يستحق من اهتمام العمال أولاً ولم يأخذ التغطية المناسبة من وسائل الأعلام.

أقول ذلك لأن الاتحاد العمالي منذ تأسيسه بالقرار رقم 159 تاريخ 30 نيسان 1958 لم يشهد الاستقرار المطلوب ولم يحقق الوحدة المنشودة، بل كان يعاني دائماً التشرذم ويحصل الانشقاق عند كل استحقاق انتخابي، وللإنصاف، سأكتب بضعة سطور تلخص وقائع تاريخية دون أي تدخل في أسبابها، قصدت الإضاءة على إيجابيات الانتخابات الأخيرة وكشف بعض الوقائع التاريخية للاستفادة منها.

– في 30 نيسان 1958 صدر عن وزير الشؤون الاجتماعية في حينه جوزف طعمة سكاف القرار رقم 159 والذي قضى بالترخيص لاتحادات النقابات العمالية الآتية:

1- جامعة نقابات العمال والمستخدمين في لبنان- بيروت.

2- النقابات المتحدة للمستخدمين والعمال في لبنان- بيروت.

3- إتحاد نقابات العمال والمستخدمين في لبنان الشمالي- طرابلس.

بتأسيس اتحاد عام لتنظيم العلاقات بينها تحت اسم “الأتحاد العمالي العام في لبنان”، كما بيّنا، فإن الاتحاد العمالي العام تكون بثلاثة اتحادات فقط، ومع ذلك لم تتفق على توزيع المراكز إلا بعد أربع سنوات عام 1962.

– في الفترة الزمنية بين عامي 1958 و1970، نشأ ونال الترخيص أحد عشر اتحاداً، ومع ذلك لم تنضم الى الاتحاد ولم تتحقق الوحدة، وظهرت تسميات على جانب الاتحاد العام مثل “كتلة العمال المنفردة” و”المجلس الأعلى للاتحادات” وكان ذلك عام 1965 على أثر أزمة بنك أنترا.

– ظهر الاتحاد العمالي العام بالشكل الذي هو عليه الآن في مهرجان عيد العمال الذي عقد في الحدت في تاريخ 3 أيار 1970، واعتبر منذ هذا التاريخ “الممثل الرئيسي للحركة العمالية” لأنه يضم “كل الفئات النقابية” وكان عديد الاتحادات المنضوية إليه والمشاركة 11 اتحاداً، لا نبالغ إذا قلنا إنه منذ هذا التاريخ لم ينعم الاتحاد العمالي العام بالاستقرار الحقيقي والوحدة الناجزة، بل كانت الانقسامات سمة طاغية ومتلازمة مع استحقاق كل انتخابات لهيئة مكتب المجلس التنفيذي.

– عام 1968 جرت أول انتخابات وكان عدد الاتحادات المشاركة تسعة، وانتخب رئيس اتحاد المصارف المرحوم غبريال خوري رئيساً للاتحاد العمالي العام، ويعتبر الرئيس الأول من هذا التاريخ، علماً أنه كان في الواجهة منذ عام 1958.

– عام 1976 جرت الانتخابات بمشاركة اثني عشر اتحاداً، وقد فاز فيها بالسن المرحوم جورج صقر رئيس اتحاد نقابات عمال البترول على منافسه أنطوان بشارة، وأدت هذه النتيجة إلى انشقاق ستة لتحادات.

– عام 1983، وكان عديد المشاركين 22 اتحاداً، فاز برئاسة الاتحاد في هذه الإنتخابات رئيس نقابة عمال مرفأ بيروت رئيس اتحاد النقابات العمالية للمصالح المستقلة والمؤسسات العامة أنطوان بشارة.

– 7 تموز 1993 كان عديد الاتحادات المشاركة 27، فاز فيها بفارق صوت واحد السيد إلياس أبو رزق على منافسه الرئيس أنطوان بشارة، ولا بد من الإشارة الى أن هذه الانتخابات، لشدة حماوتها تدخلت القوى الأمنية والجيش قبلها وبعدها لضبط الأمور، وأسفرت عن إقامة دعوى أمام القضاء وانسحاب اتحادات أساسية من الاتحاد العام، وتفردت بتحركاتها تحت اسم “الاتحاد القطاعي”.

– نيسان 1997 كان عديد الاتحادات المنضوية من أسباب الخلاف، هذه الانتخابات أبعدت أبو رزق وأتت بالسيد غنيم الزغبي، أطال الله في عمره وشفاه، هذا الرجل تعهد باعادة الوحدة الى الاتحاد وإلا يستقيل بعد سنة، وبالفعل استقال عندما لم يستطع إقناع الاتحادات المقاطعة بالعودة والتي عملت تحت اسم “الاتحاد المستقل”.

– 30 تموز 1998 استقر عدد المشاركين من الاتحادات بـ 36، وهذا ما أدى إلى تسوية بين نقابات حركة “أمل” والاتحادات المقاطعة برئاسة أبو رزق “الاتحاد المستقل”، وأعيد انتخاب الياس أبو رزق رئيساً للمرة الثانية.

– 15 آذار 2001 كان عديد الاتحادات المشاركة 37، وقد جرت على أثر أزمة حادة إمتدت من أول أيلول 2000 الى 15/3/2001، وعلى أثر الانتخابات النيابية واستقالة الياس أبو رزق والعودة عنها. أدت نتائج هذه الانتخابات الى فوز غسان غصن بالرئاسة، وهو من نقابيي عمال مطار بيروت، ونتج منها دعوى أمام القضاء وانشقاق اتحادات أساسية، وعادت لتعمل تحت اسم “الاتحاد المستقل”.

– 20/5/2005 كان عديد الاتحادات المنضوية 43، وقد جرت هذه الانتخابات في ظل أزمة حادة كان عنوانها “الاتحادات الستة” المرخصة، وقبول انتسابها الى الاتحاد العام أو عدمه.

تمت هذه الانتخابات بإشراف القضاء اللبناني، وعلى أثر دعوى قضائية، ومع أنها أعادت انتخاب غسان غصن رئيساً، إلا أن الانشقاق والمقاطعة استمرا والخلافات تفاقمت.

– 17/3/2011 كان عديد الاتحادات المنضوية 50، ومع أن هذه الانتخابات جددت رئاسة غسان غصن، إلا أن الخلافات والانشقاقات استمرت وأدت الطعون والاعتراضات الى تمنع وزير العمل بطرس حرب عن تصديق نتائج الانتخابات، وحصل تطور سلبي هو إقدام 14 اتحاداً على تقديم طلب الحصول على ترخيص باتحاد عمالي عام ثان، واستمرت هيئة المكتب في ولاية لأكثر من ست سنوات بدلاً من الأربع النظامية، وبقيت الاتحادات المنضوية عرضة للتقلب.

من هنا تأتي أهمية انتخابات هيئة المكتب التي جرت في 15 آذار 2017 لأنها جرت بمشاركة فعلية من 45 اتحاداً من أصل 51، والاتحادات الستة منها اثنان فقط أعلنا انسحابهما رسمياً قبل الانتخابات، والاتحادات الأربعة الباقية موجودة في الاتحاد، لكنها لم تجر انتخاباتها الخاصة قبل 15/3/2017 أو لم تستكمل أوراق انتسابها، وهذه نسبة مشاركة عالية لم يشهدها الاتحاد في تاريخه، وتمت عملية الانتخاب بهدوء ورقي شهد عليه فريق وزارة العمل وعلى رأسه المدير العام جورج إيدا وممثلو المنظمات والاتحادات العربية والدولية، وهذا ما أدى إلى مصادقة نتيجة الانتخابات خلال أسبوع بعكس المرات السابقة، وللمرة الأولى لم يصدر أي تصريح أو اعتراض عن نقابة أو اتحاد، ولم يكن هناك تدخلات من الأجهزة الأمنية أو السلطات القضائية، والمفارقة أنه للمرة الأولى تجري عملية تسليم وتسلم بين الرئيس المنصرف والرئيس المنتخب حتى ولو بصورة شكلية.

يضاف إلى ذلك ويزيده أهمية تحركات رئيس الاتحاد الدكتور بشارة الأسمر خلال الاسبوعين الماضيين بوقوفه مع عمال “دباس انتربرايز” وعمال شركة “غلاييني” في المطار ومشاركته اعتصام رابطة قدامى الموظفين واعتصام المستأجرين واستقباله لجنة المالكين، وكلها تطورات إيجابية ونقلة نوعية تدعو الى التفاؤل والأمل بانتشال الاتحاد من كبوته واعادة ثقة العمال بقيادته، وفي هذه المناسبة أدعو عمال لبنان ونقاباتهم واتحاداتهم الى الالتفاف حول القيادة الجديدة والتعبير عن ذلك في الاستقبال الذي سيجري بعد ظهر يوم الأربعاء في 29/3/2017، وأدعو الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين واتحاد نقابات عمال البناء والأخشاب الى العودة الى كنف الاتحاد العمالي، لأنه لم يعد من مبرر لبقائهما خارج الاتحاد، وعليهم الاعتراف بالقوى النقابية الصاعدة والتي أحدثت التغيير وصاغت وحدة الاتحاد من جديد، وأقول لهم إن تاريخكم النضالي الطويل لن يستمر إلا بالتضامن والتكافل مع هذه القوى، وإنكم تعلمون أن قوة العمال في وحدتهم، وأن المواجهة طويلة وصعبة ولن تستطيع الحركة النقابية النجاح فيها وتخفيف معاناة الفقراء وذوي الدخل المحدود إلا بخطة عمل مدروسة وهادفة يضعها المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي بكامل أعضاءه بصفته القانونية والتمثيلية.

اخترنا لك