وفق المبدأ الأمني المتعارف عليه في بديهيات حفظ أمن الأوطان، تعمد الحكومات إلى حماية أمن مطاراتها بأفضل ما يتوفر من تقنيات حديثة، وبعين المراقب تلتفت إلى المعايير الدولية المعتمدة في حماية الأمن، لتقتبس من التجارب الدولية ما يحصّن أمن مطاراتها وحدودها، لاسيّما في أزمنة الهجمات الإرهابية العابرة للحدود والجغرافيا، والتي تتطلب أمناً استباقياً.
أمّا في لبنان وفي وقت تراكم الحكومة الدين العام، وتقترض من المؤسسات الدولية بمليارات الدولارات لتنفيذ مشاريع بعضها مفيد، وأكثرها يستفيد منه قاطنو جنّة السلطة، في هذا الوقت بالتحديد يُشتم روائح صفقات مثيرة للشبهة، كتلك التي بين أيدينا، بحيث تعمد الحكومة عبر الوزارات والإدارات المختصة إلى استقدام معدات وأجهزة كشف المتفجرات في المطارات، أقل ما يقال فيها أنّها قديمة وأثبتت عدم جدواها في كلّ من مطاري اسطنبول وبلجيكا، ولم تعد معتمدة منذ سنوات.
المعايير العالمية لأجهزة كشف المتفجرات بواسطة تقنية الأشعة السينية تقسم إلى ثلاث فئات: الأولى تعرف بـ (ECAC Standard 1) تعود الى العام 2002 وأصبحت ملزمة لجميع المطارات في العالم 2007، والثانية ECAC) Standard 2 ) صدرت عام 2008 وأصبحت ملزمة عام 2012، والثالثة وهي الأحدث (ECAC Standard 3) تعود للعام 2012 وأصبحت ملزمة عام 2014، ولبنان متأخر سنوات في هذا المجال إذ يعتمد الفئة الأولى، وتعمد حكومته إلى استقدام معدات قديمة لا جدوى لها في الأمن الإستباقي، بحسب ما كشفت مصادر على جانب كبير من الإطلاع لـ “لبنان 24″، متساءلةً عن سبب اعتماد معدات وتجهيزات قديمة، وتَجَاهُل الحديثة منها والقادرة على كشف التفجيرات بفعالية أكبر، خصوصاً عندما نعرف أنّ وزارة الدفاع اللبنانية ومنذ خمس سنوات استقدمت أجهزة المعيار الثاني والتي كانت في حينه الأحدث.
فكيف تعمد الدولة اليوم إلى شراء هذه الأجهزة القديمة لكشف المتفجرات؟
ولماذا لم تختر الأكثر تطوراً وفعالية أي المعيار الثالث؟
لاسيما وأنّ أمن المطار فوق كلّ اعتبار، أو يفترض أن يكون كذلك، وهل في الكواليس صفقة من صفقات “امبراطورية الفساد”؟
التي يعترف بوجودها أهل السلطة أنفسهم بحيث عينوا وزيراً لمكافحتها.
إذن، في الأمر “إنّ” لبنانية تقول المصادر “فإمّا المعنيون باستقدام هذه الأجهزة لا يعرفون ماذا يشترون، والموضوع لا يدخل ضمن نطاق اختصاصهم ومعلوماتهم، وفي الأمر مصيبة، وإمّا يعرفون جيداً ما يفعلون ويمررون ما يشاؤون، وفي ذلك مصيبة أكبر”.
فهذه المعدّات التي تنوي الحكومة اعتمادها لم تعد معتمدة في مطارات العالم، حتّى أنّ كل من تركيا وبلجيكا استبدلتها بالمعيار الثالث بعد تفجيري مطاري أتاتورك وبلجيكا، بحيث أثبتت عدم جدواها، وبالتالي هناك حاجة من قبل مصنّعيها لتسويقها إلى دول العالم الثالث والتي تمتلك معلومات متواضعة عن المعايير الأمنية المعتمدة في الدول المتقدمة، ويبدو أنّ لبنان في طليعة هذه الدول .
وفي إشارة إلى الجانب القانوني المتعلق بالمعيار الثالث وهو الأحدث، صدر عن الإتحاد الأوروبي مرسومٌ حمل الرقم ع 1087 \ 2011، حّدد الإجراءات الواجب اعتمادها في مواقع النقل الجوي، وأشار المرسوم في البند رقم 12.4.2.10إلى أنّ المعيار 3 يجب اعتماده في تصنيع أجهزة كشف المتفجرات بدءاً من أيلول عام 2014 .
ويعتمد هذا المعيار على تقنية التصوير الشعاعي بواسطة الشرائح المتتالية للصور XRAY CT – Scan ، التي توفر نقاوة في الصورة أدق وأفضل من تلك المستحصل عليها في التقنيات المعتمدة وفق المعيارين 1 و2 . وهذه التقنية CT-Scan هي نفسها المستخدمة في أجهزة الفحص الشعاعي الطبّي، وهي المعيار الدولي المُلزم في صناعة أجهزة كشف المتفجرات في عملية تفتيش حقائب السفر في المطارات الأوروبية والأميركية.
أمّا تقنية X-RAY فأصحبت من الماضي، ولا تناسب مكافحة العمليات الأرهابية بطريقة استباقية، فلا يجب أن ننتظر وصول الإرهابي إلى حرم المطار ليتمّ كشفه .
إشارة إلى أنّ لجنة فنية شُكلت بموجب قرار رئاسة مجلس الوزراء رقم 21- 2017 بتاريخ 1-2-2017 ، كُلفت بدراسة مدى مطابقة دفاتر الشروط العائدة لأشغال وأعمال التجهيزات الأمنية والتقنية المطلوبة لمطار رفيق الحريري الدولي مع المواصفات الفنية الأحدث.
وفي حين صدر تقرير اللجنة الفنية مذيلاً بتواقيع عدد من السادة، وحده ممثل المديرية العامة للجمارك بصفة عضو في اللجنة الفنية سجّل تحفظه بصورة واضحة على التقرير، وأرفق توقيعه بعبارة “مع التحفظ الكلي لعدم الإختصاص”، وبحسب المصادر حسناً فعل لأنّ التقرير لا يتضمن شرحاً دقيقاً للتقنيات من قبل مختصين.
وجاء في التقرير “وافقت اللجنة بالإجماع على نوعية هذا الجهاز (انظمة مسح على شكل بوابة للكشف على السيارات)، الذي تبين وجود وكيل حصري للشركة المُصنعة له، مما يعني عدم القدرة على طرحه في المناقصة العمومية “، واقترحت احالته إلى مجلس الوزراء للبتّ به .
ثغرة إضافية لفتت المصادر، وهي الإهتمام بأمن أجزاء من المطار، وتجاهل الأجزاء الأخرى، وكون مطار بيروت ملاصق للبحر، فكيف ستتم حماية هذه المنطقة من مهبط الطائرات الملاصقة للبحر؟ وتساءلت المصادر هل هذه المنطقة ملحوظة ضمن مشروع بناء السور حول المطار؟
على أي حال أمن المطار من أمن لبنان، لاسيّما وأنه المنفذ الجوي الوحيد، وحمايته تستحق استقدام أحدث التجهيزات المعتمدة عالمياً والملائمة لمعيار الأمن الإستباقي، وتستحق تكليف فريق من ذوي الإختصاص، كي لا نترك ثغرة أمنية بمقدورنا تفاديها .
نوال الأشقر – لبنان 24