بلغ الاحتقان الذروة.
كثرت التحليلات والافتراضات. تنوّعت التكهنات في تحديد المسار العسكري والسياسي في سوريا بعد الضربة الاميركية على قاعدة الشعيرات الجوية، وما تحمله من مخاطر ومعانٍ.
في قراءة دقيقة للمعطيات وخلفياتها وأبعادها، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
أولاً: سبق الضربة الاميركية اختبار حقيقي لردة فعل الرئيس الاميركي دونالد ترامب في موضوع استعمال غاز السارين في خان شيخون، لتبني روسيا على موقفه سياساتها الجديدة، من سوريا الى اليمن وليبيا واوكرانيا.
ثانياً: سارع ترامب الى الرد عسكرياً، موجهاً رسائل في اتجاهات عدة ابرزها روسيا وايران والنظام السوري، ومفاد هذه الرسائل: «أنا لست أوباما.
لا تجرّبوني، لا في سوريا ولا في غيرها.
ان استعمال السلاح الكيماوي هو خط احمر لن نسمح بتجاوزه بعد اليوم . عليكم ان تحترموا خطوطنا الحمر والاّ سيكون هناك ثمن، وثمن مكلف.
ثالثاً: اعاد ترامب للسياسة الاميركية صدقيتها وللولايات المتحدة هيبتها، بعدما كان اوباما أمعن في الانكفاء والانهزام أمام السياستين الروسية والايرانية في الشرق الاوسط.
رابعاً: وجّه ترامب رسالة قاسية الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيها ان موسكو تتحمل مسؤولية عدم الالتزام بتعهداتها بتجريد النظام السوري من السلاح الكيماوي في العام 2013، وان واشنطن لن تدخل مجددا في دوامة تحديد المسؤول عن اطلاق الغازات السامة وارسال مراقبين دوليين الى سوريا كما فعل اوباما، كما ان الفيتو الروسي في مجلس الأمن لن يعيق القرار الاميركي عندما يتم تجاوز الخطوط الحمر.
خامساً: ان الضربة الاميركية السريعة على قاعدة الشعيرات الجوية فقط دون سواها، تؤكد ان الادارة الاميركية لا تريد اسقاط النظام السوري، ولا قلب موازين القوى العسكرية على الارض، وبالتالي لا توجد مبررات لحرب اوسع، او حتى لمواجهة بين الجيشين الاميركي والروسي في سوريا، على رغم حال الاستنفار الروسية وتعليق المذكرة الروسية الأميركية حول ضمان سلامة التحليقات في سماء سوريا، لأنها تنحصر في اطار البروباغندا ولفترة محدودة.
سادساً: بات من الثابت، بعد الضربة الاميركية المحدودة، ان قواعد اللعبة تغيرت في سوريا وأبعد من سوريا، وان ما بعد ترامب ليس كما قبله، وان الرئيس بوتين لم يعد يملك وحده مفتاح الحل والربط وحرية الحركة جيوسياسياً، ولا هامش المناورة عسكرياً.
لقد أرسل، من أرسل، رسالة جس نبض بغاز السارين الى الادارة الاميركية الجديدة، فرد عليها ترامب بـ 59 رسالة من طراز «توماهوك».
جورج سولاج- رئيس تحرير جريدة الجمهورية
نقلاً عن الجمهورية