نعم، لا شرق بدون المسيحيين مهما اشتدت المؤامرات لتهجيرهم من هذا الشرق، لأنّ المسيحيين هم أهل هذه المنطقة، وهم الذين حافظوا على لغة القرآن الكريم، وهم الذين طوّروا هذه البلاد، فكيف يكون هذا الشرق من دونهم.
والمؤامرة ليست بنت اليوم، إنما هي ترقى الى القدم في التاريخ، وطبعاً كان لليهود اليد الطولى فيها منذ وعد “بلفور” حتى يومنا هذا، من دون أن ننسى ما قاله وزير خارجية أميركا عام 1974 هنري كيسنجر خلال لقائه المغفور له الرئيس سليمان فرنجية، يوم سأله كيسنجر: من يجب أن يحكم القدس؟
فأجابه فرنجية: المسلمون؟
فقال له كيسنجر: لماذا؟
وهو الذي لم يكن ينتظر هذا الجواب من الرئيس اللبناني، فقال الرئيس فرنجية: لأنّ المسلمين كديانة جاؤوا بعد السيّد المسيح، ولأنّ المسيحيين جاؤوا بعد اليهود، وعليه: المسلمون يعترفون بالمسيحيين وباليهود (أهل الكتاب).
والمسيحيون يعترفون باليهود.
ولكن اليهود لا يعترفون بالدينين الآخرين.
فأجابه هنري كيسنجر: سنرسل لكم البواخر أيها المسيحيون لتنقلكم الى أوستراليا وبعض البلدان الغربية، ومنذ ذلك الوقت والمؤامرة، كما قلنا، قائمة، لأنهم يريدون تهجير المسيحيين من الشرق لكي يثبت اليهود نظريتهم بضرورة إقامة دولة يهودية صرف، فلا يمكن أن يعيش اليهود مع سائر الأديان…
وبكل بساطة فإنّ اليهود يريدون تهجير المسيحيين، ويقولون للعالم: لا يمكننا أن نعيش إلاّ لوحدنا.
ويحضرني انه خلال زيارة الرئيس سعد الحريري الى مصر ولقائه رئيس أساقفة الأقباط الذي قال للحريري: تعود بي الذاكرة الى 200 سنة مضت، أي الى عصر القياصرة، حين قال قيصر روسيا آنذاك للأقباط لماذا لا تأتون الى روسيا وتتركون مصر، فتساءل الأقباط في ما بينهم عن القيصر بقولهم هل هذا الرجل مثلنا يأكل ويشرب وينام، هل به مس أو جنون؟
نحن هنا مصريون وجذورنا مصرية، فكيف نترك جذورنا والبلد بلدنا ونذهب الى بلاد ليس لنا فيها شيء.
وبالمناسبة فإنّ لبنان أكثر دولة في العالم تشكل نقيضاً للنظرية الصهيونية.
نعود الى المؤامرة التي ضربت أمس الأحد مصر، الأخطر أنّ هذه المؤامرة اختارت يوماً يعيّد فيه المسيحيون بأحد الشعانين فيحملون الأطفال الذين يحملون الشموع في منظر جميل جداً له طابع يفيض بالفرح والبهجة.
من ناحية ثانية، وكما هو معلوم، فإنّ البابا فرنسيس الاول سيزور مصر قريباً، ولذلك فإنّ
المؤامرة جاءت لتقول إنّ الأوضاع الأمنية غير مستقرّة في مصر، ويجب تأجيل أو إلغاء الزيارة… وهذه مؤامرة جديدة على المسيحيين، خصوصاً بعدما كان بابا روما قد استقبل في 20 أيار 2013 البابا تواضروس وتوصلاً الى اتفاق (مبدئي) تاريخي خلاصته أنّ ثمة اقتناعاً مشتركاً بينهما مفاده أنّ الكنائس الكاثوليكية والقبطية في وضع يسمح لهما بتسوية خلافتهما التاريخية باتجاه الوحدة التامة بينهما، علماً أنها كانت الزيارة الاولى لأحد باباوات الأقباط الى الڤاتيكان منذ 40 سنة.
صحيح أنّ منفّذ الهجوم على الكنيستين، أمس، ليس يهودياً بالضرورة، ولكن الأصح أنّ الصهيونية ستكون الأكثر تضرراً من أي وحدة، أياً كانت، فكم بالحري إذا تمت بين الأطياف المسيحية… أضف الى ذلك أنّ الارهاب الذي يلتقي مع الصهاينة وربما ينفذ مخططاتهم لن ينجح في ضرب وحدة الشعب المصري بين أكثريته من المسلمين وأقليته من المسيحيين.
عوني الكعكي- نقيب الصحافة اللبنانية
المصدر : الشرق