يحصد جيل اليوم مفاعيل أخطاء وشوائب سياسية وتشريعية سادت منذ ربع قرن، بما يترجم المثل القائل:
“الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون”، لكن في الحالة اللبنانية فإنَّ بعض السياسيين أكلوا الحصرم فضرس الشعب اللبناني برمته، وها هو اليوم يدفع الأثمان الباهظة لممارسات الأمس.
حين تتمُّ مراجعة ما حصل منذ ربع قرن، نكتشف أنَّ “الكسل التشريعي” أدى إلى حشر كل القوانين في مهلة قصيرة، بما يعني أنَّ ما ارتُكِب من أخطاء على مدى عقود، مطلوب تصحيحه في أيام وربما في ساعات.
كان السياسيون يتصرفون إما على قاعدة “الوقت حلاَّل المشاكل” أو على قاعدة “ليُصحِّح مَن يأتي بعدنا”، فكان الوقت يمرُّ من دون أن تُحلَّ المشاكل، وكان الذين يأتون لا يصحِّحون ما يتم ارتكابه من أخطاء.
اليوم هناك محاولات للتصحيح، وواجب النجاح، والفرصة الكبرى هذا المساء قد لا تتكرر، فربما العناية تدخَّلت لتحديد موعد الإفطار في قصر بعبدا اليوم الأول من حزيران.
يأتي الإفطار في ذروة الإشتباك السياسي على القانون الجديد للإنتخابات، ولهذا فإنَّ الخلوة الثنائية، وربما الثلاثية بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، والتي تسبق الإفطار، من شأنها أن تضع قطار الحل على السكة.
وليس خافياً على أحد أنَّ في السياسة ايضاً “البُعد جفا”، فاللقاءات الدورية شبه مقطوعة بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، وهذا الإنقطاع لا يساعد كثيراً على تقريب المسافات بين الأفكار والطروحات، من هنا يأتي إفطار هذا المساء في قصر بعبدا كفرصة نادرة للقاء رئيس الجمهورية ورئيس المجلس، والحراك الأساسي لهذا الأمر هو الرئيس سعد الحريري الذي غالباً ما قام بحركة مكوكية انطلاقاً من حرصه على التوصل إلى قانون جديد للإنتخابات وعدم الوصول إلى حائط مسدود.
على أية منصة يقف الوضع اليوم؟
أجواء القصر تؤكد أنَّ لا جلسة لمجلس النواب خارج الدورة الإستثنائية، على رغم كل الإجتهادات، فبحسب المادة 31 من الدستور “كل اجتماع يعقده المجلس في غير المواعيد القانونية يع باطلاً حكماً ومخالفاً للقانون”.
هذا الطرح قابله رئيس المجلس بأنَّ الدورة العادية لا تنتهي في 31 أيار بل تأخذ الشهر الذي علَّقه رئيس الجمهورية.
لكن هذا الطرح أيضاً يواجه صعوبةً في تمريره.
هكذا فإنَّ بعبدا تتمسك بأنَّ فتح الدورة الإستثنائية هو من صلاحية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، حيث يقول الدستور “… ولرئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية بمرسوم يحدد افتتاحها واختتامها وبرنامجها.
وعلى رئيس الجمهورية دعوة المجلس إلى عقود استثنائية إذا طلبت ذلك الأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه”، بهذا المعنى فإنه بعد 31 أيار لا عقد عادياً كما يقول “الإجتهاد الجديد” للرئاسة الثانية.
هنا يُطرَح السؤال:
هل سيوقِّع رئيس الجمهورية؟
يأتي الجواب من دوائر قصر بعبدا:
“لا توقيع لمرسوم فتح الدورة الإستثنائية قبل التأكّد من الإتفاق على القانون الإنتخابي الجديد”، فبحسب هذه الدوائر فإنَّ رئيس الجمهورية يريد “المكيول” قبل أن يقول أحدُ “فول”، وهذا هو الحق لانجاح ابناء الوطن.
فقدان عامل الثقة ليس وليد ساعته، والخشية كل الخشية أن يحصل على المستوى التشريعي ما لا يرضي الأفرقاء، لأنَّ السوابق منذ وُضعت القوانين الجديدة لم تكن تشجع ولم تكن تبشر بالخير.
فالوزير باسيل يردُّ على “تهمة” نقل المقاعد بالمطالبة بأن يعود عدد النواب إلى ما تمَّ الإتفاق عليه في الطائف.
وهذا الكلام له أسبابه الموجبة، ففي الطائف تم الإتفاق على 108 نواب، فتمَّ رفع العدد بسحر ساحر إلى 128 نائباً، ولإنعاش الذاكرة فإنَّ الجلسة التي تم فيها رفع عدد المقاعد إلى 128 نائباً عام 1992، كان مشروع القانون أمامها أن يرتفع عدد النواب إلى 134 نائباً أي بزيادة 22 نائباً عما تم الإتفاق عليه في الطائف، و35 نائباً عما كان عليه مجلس 1972.
على رغم سقوط هذا الإقتراح منذ ربع قرن، فإنَّ مجرد طرحه كان يخفي نيات مبيتة لتشتيت الأصوات، وهذا الأمر ربما يجعل الكثيرين يرتابون مما يحصل في الجلسات التشريعية ويطلبون ضمانات قبل انعقادها.
ساعات ويتبلور كل شيء ويُعرَف ما إذا كان سيتم تفكيك لغم، وهنا كل الآمال معلقة بأنَّ قانون الإنتخابات سيبصر النور كما زفّ دولة الرئيس الحريري في مأدبة الافطار يوم الاثنين الماضي.
الهام سعيد فريحه