عندما أخذ بعض المعممين الشيعة على عاتقهم عناء التبخير للإنجازات الوهمية للسلطة الحاكمة، و بعد أن انحصر الخطاب الديني في إطار الإستقطاب و نشر ثقافة الحرب الكونية على الطائفة.. و بعدما غدا الصمت عن أبسط حقوق المواطن الحياتية بمثابة الصبر الذي سينال سالكوه تعويضاً عنه في الاخرة…؛ فقد خرج من بين ذلك كله مَن يُعبر عن نبض الشوارع، نبضٌ تشعبت شرايينه في قلب جيلٍ يحمل حرية الفكر و البحث عن الحقيقة.
في ظل حكم الآنية و نشر الثقافات على الملأ بشكل لم يسبق له مثيل، ظهر للعلن على العوام ما كان يُتداول به بشكل سرّي في إطار مجموعة أو مذهب ما، و كان أخطرها على العقل البشري ذاك المتعلّق بالمقدسات الدينية، حيث تعرّت الأديان بظل العولمة من ردائها التاريخي وباتت على مرئ من مرمى الناظرين.
بينما تشبثت المرجعيات الدينية بالنصوص التقليدية، ظهرت الى الساحة أفكار مجددة لفقه الدين وتصحيح المعتقدات و تطهيرها من الدسائس والموضوعات على مدى القرون الغابرة .. وقد تجسّد الفكر المتجدد بالمرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله و فيما بعد بالمرجع السيد كمال الحيدري وغيرها من رجال الدين الذين امتلكوا جرأة التصدي للمرجعية بمفهومها العصري الحديث. ولم يكن النقد او التهجم على المنظومة الفكرية لهؤلاء المجددين ليمنعهم من اطلاق آفاق بعيدة لرؤية الدين بعيدا عن النظر الى الخلف.
على صعيد التبليغ و إمامة المساجد و نشر الثقافة والوعي الديني المتجدد، تمكّن الشيخ ياسر عودة من خطف الانظار وجذب الجيل الجديد حمايةً لهم من ثقافة تودي بهم الى اللا دين او الإلحاد.. فناقش الشيخ مجموعة من الطروحات أثارت إشكالات جوهرية، و أدت لأن يُطلق عليه لقب (الضال المضل) وهذا ليس بالمستغرب، فلقد حفلت التجارب التاريخية بالعديد من هذه النماذج، حيث ان اوروبا في ظل حكم الكنيسة الكاثوليكة لم تكن لتتقبل رأياً يخالف مسلمات و مقدسات الكنيسة، و خير دليل محاكمة غاليلو…
ان بعض المعممين لم يحملوا الشيخ ياسر على محمل الحسن، بالرغم من توضيحه لمقصده من تلك العبارة، الا ان السلوك في الرد عليه كان محضّراً مسبقاً، ويحمل في طياته حقداً على استاذ الشيخ ياسر ومعلمه وبدت المنابر تتنافس في النيل منه ومن مرجعه… هؤلاء كانوا بانتظار هذه العبارة من الشيخ ياسر ليطلقوا سهامهم المسومة.. فكان الشيخ ياسر اهلاً لها وعلم بأنه من كان ينتظرك على خطأ فلا تتأخر عليه… ويحضرنا قول أمير المؤمنين “لَيْسَ مَنْ طَلَبَ الْحَقَّ فَأَخْطَأَهُ، كَمَنْ طَلَبَ الْبَاطلَ فَأَدْرَكَهُ”.
فهد مهدي