إسمع يا دولة الرئيس (٣) : في خضم معمعة الشيخين عودة وبحسون، وخواء الحوزة الدينية الشيعية اللبنانية

قد لا يكون دولة الرئيس نبيه بري (حفظه الله) معنياً بشكل مباشر بالقضية التي عصفت بالمجمتع العلمائي الشيعي عقب كلام للشيخ ياسر عودة؛ ولكنه معني بشكل غير مباشر، وإذا كنا نفضّل أن لا نجاهر بقضايا الجسم العلمائي، إلا أن البيانات والردود التي انتشرت .. تلزمنا بإثارة هذه القضية على الملأ لتصويب الأمور.

دولة الرئيس :

لا ينبغي مرور الكرام على هذه الحادثة، فهي ذات دلالات وأبعاد، وتؤشر على المنحى الخطير الذي يشهده الواقع الشيعي اللبناني عموماً، والجسم العلمائي خصوصاً، علماً أن هذه المسألة مرشحة لأن تتكرر كثيراً مع تفاصيل صغيرة أخرى في المستقبل القريب..

فعلى مدار الأسبوع المنصرم انشغل الوسط الحوزوي بأمر لا يحتاج لهذا الحيز الكبير، مع ملاحظة الإنحدار في المستوى من جسم يفترض أنه مفعم بالقيم و المبادئ و المناقبية؛ وهو ما أبرز الخواء الحقيقي الذي يعتري تركيبة علماء الدين الشيعة اللبنانيين، حيث غياب المرجعيات الدينية الأبوية ضمن الطائفة !!!

و هنا تكمن مسؤولية الثنائي الشيعي، الذي منع قيام حيثيات علمائية وازنة، نتيجة أداء القوى الحزبية السياسية الشيعية، التي لا مصلحة لها بوجود علماء دين بارزين، يتمتعون بحضور في الأوساط الشعبية، لذا نرى الثنائي الشيعي يحارب – بكل ما أوتي من قوة – لمنع العلماء الفضلاء من ممارسة دورهم الطبيعي، و إلزامهم بالعمل من خلال نافذة إحدى القوتين، وتالياً ينعدم حضور أهل العلم، على اعتبار أن الإنصياع للمنظومات السياسية يُفقد العالم الديني دوره وقيمته، لصالح الجهة السياسية التي ينتمي إليها. وإلا، إذا لم ينضوِ تحت سقف حزبي فحينها يُحارب على كل المستويات، وقد يخوّن ويتهم بالتآمر والعمالة … ما يقزم دوره، ويعيقه عن بلورة حيثيته الطبيعية.

أستاذ نبيه :

قد لا تدركون مخاطر هذا الأمر راهناً، لكن سرعان ما ستظهر مساوئه على الطائفة ككل، و حتى على القوى الحزبية نفسها، كون قوتها تستمد من قوة الطائفة وحضورها، و إذما ضعف حضور الطائفة فينعكس ضعفاً على الأحزاب بشكل مباشر وفوري …

فلم يكن من مصلحة عامة بعقم الوسط الحوزوي، عن انتاج مرجعيات دينية وازنة، أمثال : الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين، و أية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله..

دولة الرئيس :

إذا كانت أمور محدودة جداً تهدد الاستقرار “العلمائي” إن صحّ التعبير؛ فماذا سيصيبنا عند المفاصل الكبرى والمصيرية ؟!!!

هذا بشكل عام، و بمعزل عن تقييم ما حصل، و لكن إذا أردت أن أكون شفافاً و موضوعياً، و دون أن أجامل أحداً، فإن الخطأ صدر عن أكثر من طرف، فالشيخ ياسر عودة لم يراعِ اللياقة المفترضة مع النبي محمد ص، والشيخ علي بحسون لم يصفح للشيخ ياسر الذي اعترف بالخطأ و تراجعه عنه، فكان يفترض التجاوز عما حصل، كما أن مؤسسة المرحوم السيد محمد حسين فضل الله ناورت كثيراً في هذه المعمعة، وظهر (النفَس المصلحي) كثيراً في تعاطيها ..، كذلك فقد ظهرت المبالغات في بيان الشيخ يوسف سبيتي، حيث لم يكن يحتاج الأمر لهذه الدرجة من الحِدة.. وهذا ما ينسحب على سواهم أيضاً.

دولة الرئيس :

بعد هذا التوصيف، أجرؤ بالإفصاح عن رأيي المتواضع، حيث إن الذي أوصلنا لهذا المستوى هو السياسة الحزبية، التي منعت أهل العلم القيام بدورهم، وجعلتهم أسيرين للمنظومات السياسية، حتى أضحوا يخطبون ودها، وفي الوقت الذي لم يكن يحق للشيخ عودة التحدث بهذه الطريقة عن النبي، لكن من الأجدى بنا دراسة خلفية كلامه في هذا المورد وسواه، و دراسة خلفية حدّة الردود عليه أيضاً، كونها تندرج كلها في سياق واحد ..

حيث إن الشيخ عودة يمتلك طاقة علمية، و لديه نفَس تجديدي، كان يمكن للطائفة أن تستفيد منه لو أنه تُرك له المجال بشكل طبيعي، دون أن يشعر بالغبن ..

وأما الشيخ بحسون، فهو أستاذ حوزوي قدير، مارس التعليم في مرحلة السطوح العليا لسنوات عديدة، و لديه فضيلة علمية، ناهيك عن كونه وكيلاً عاماً لأحد أبرز مراجع حوزة النجف الأشرف في لبنان، و مع ذلك لم يتبلور حضوره بالمستوى الذي يستحقه!!

و أما الشيخ سبيتي فهو أستاذ للبحث الخارج، و يتمتع بجملة مواصفات علمية و دينية تؤهّله للإضطلاع بدور أكبر مما هو فيه بكثير، لكن الظروف العامة تعيق ذلك !!

أستاذ نبيه :

إعلم أن العلماء الثلاثة (عودة، بحسون، سبيتي) لو كانوا بحوزة قم مثلاً لأطلق على كل منهم لقب (أية الله) .. لكن في لبنان لا نعطي علمائنا حقوقهم، و نمنعهم من ممارسة دورهم الشرعي المناط بهم؛ تالياً نجعلهم يتلهون بدوامة من الأزمات و الفتن والصراعات البينية..

و الساحة ليست تسع الجميع فحسب، بل إنها بحاجة ماسة لجهد وجهاد العلماء، جهدهم في استعادة مكانة الصنف ودوره، و جهادهم في الميادين الروحية والأخلاقية.. لبث روح التقوى و الورع في الجسم مجدداً؛ وتالياً لا وقت للتلهي بأمور صغيرة، بل دورهم يتطلب ترفعاً عن هكذا أمور.

وساحتنا ليست بحاجة لكل الطاقات فحسب، بل إنها بحاجة لهذا التنوع الفكري، الذي قد يعبّر عنه المشايخ الثلاثة، وغيرهم أيضاً.

هذا التنوع الذي يمثّل قيمةً، وينتج تطوراً فكرياً، أحوج ما يكون إليه جبل عامل في هذه الظروف الموبوءة، على مستوى لبنان، وكامل عالمنا العربي والإسلامي.

أخيراً : حريٌ بدولتكم السعي – إن كان المجال متاحاً للتدارك بعد – لوقف الإنحدار في الجسم العلمائي الشيعي، وطبعاً لا نطلب منكم دعم هذا الجسم، بل مسؤوليتكم تكون إنطلاقاً من إزالة العوائق أمام علماء الدين للقيام بدورهم، و حينها سرعان ما سيثبت أصحاب الأهلية والمستوى مكانتهم وحضورهم، وسيضمر أشباه العلماء الذين أنتجتهم القوى السياسية و فرضتهم على الجسم العلمائي دون أدنى كفاءة، و إذ ذاك لن ترى انحداراً بالمستوى الذي شهدناه..

الشيخ محمد علي الحاج العاملي

اخترنا لك