قال الله تعالى : [ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ] .
وإن كنا نعالج قضايا الطائفة الشيعية العامة، لكن لا بأس بالوقوف عند بعض القضايا الخاصة ذات المداليل العامة، التي تعكس صورة المشهد اللبناني عموماً، و الشيعي خصوصاً.
دولة الرئيس :
صادف الأحد ٢ تموز ٢٠١٧، ذكرى مرور أربعين يوماً على وفاة المغدور جعفر حسين كنج، ابن ال ٢٦ عاماً، هذا الفتى الذي قُتل مرتين، مرة على يد الجناة المجرمين الأوغاد، وثانية على يد السلطات الرسمية اللبنانية، التي لم تكترث له اطلاقاً، والتي لم تحرك ساكناً …
دولة الرئيس :
أليس من حق ذويه معرفة القاتل؟ بل أليس من حق هذا الشاب أن يضبط قاتله و يعاقب ؟! ثم أليس من مسؤولياتكم – و أنتم في رأس الهرم السياسي اللبناني الرسمي الشيعي – السعي لكشف الفاعلين، وفاءً للفقيد، وحفاظاً على مستقبل أولادنا وأجيالنا؟!
أستاذ نبيه :
يوم ٢٥ أيار ٢٠١٧ تم استدراج هذا الفتى لمنطقة في البقاع، وتمّ اغتياله، دون أن نلحظ أي اهتمام من أي مؤسسة في الدولة، و لا أدري إذا كان السبب يعود لأن ساسة الشيعة لا يريدون ذلك، و لكنني أحسن الظن بكم، مع بقاء تساؤل لم أتمكن من الإجابة عنه، حول سبب عدم تغطية الإعلام (الشيعي) -إن صحّ التعبير- لهذه القضية!! وتساؤل عن عدم تفاعل ساسة الشيعة مع عزاء الفتى المغدور، ولعلني أنا من أخطأ في هذا المقام، لكنني وخلال التعازي بالمغدور لم أصادف مسؤولاً في الدولة قدّم التعازي بالشاب كنج أعلى رتبة من رئيس بلدية الغبيري الحاج معن الخليل، وأنا الذي حضرت الدفن والتعازي والثالث والأربعين!!!
أستاذ نبيه :
لم يكن هناك فاصل طويل بين اغتيال جعفر كنج و اغتيال روي حاموش، الذي كان في ٧ حزيران ، لكن كان هناك اختلاف كبير في النتيجة، الإعلام سلّط الأضواء على هذه الجريمة، والساسة اندفعوا لتقديم التعازي به، بطريقة نمّت عن احترام للمغدور، وتالياً، خلال فترة وجيزة تمّ ضبط المجرمين، وزير الداخلية قدّم التعازي بالفتى الشهيد حاموش، رئيس الجمهورية طالب بإنزال أشد العقوبات بقتلة حاموش، و الإعلام واكب قضيته، وأثارها بطريقة عفوية إنسانية.!!
بعد شكر السلطات على الإهتمام بقضية الشهيد حاموش، وبعد الإشادة بإلقاء القبض على القتلة، ومع تأييدنا لعدم التساهل مع المجرمين؛ ولكوننا لا نريد تحويل القضية لشأن مذهبي إطلاقاً، ولا نحب أن تأخذ هذا المنحى، وحفاظاً على المساواة بين المواطنين، وكي لا يأتي بعض أبنائنا الشيعة و يعطون القضية أبعاداً طائفية …؛ لهذا و لسواه، نتمنى الإلتفات لأبناء الشيعة، تحقيقاً للمساواة و العدالة، وكي لا يشعرون بالغبن، و بأن دماء أبنائهم رخيصة، بل لا قيمة لها..
أستاذ نبيه :
تكثر حالات ضبط المجرمين، أحياناً تشخّص الأجهزة القاتل دون أن تلقي القبض عليه، و أحياناً تشخّصه وتقبض عليه، و إذا استعرضنا بعض النماذج يمكن أن نكوّن فكرة عن واقعنا المزري…
- روي حاموش (الماروني) تم معرفة قتلته، ثم ألقي القبض عليهم خلال فترة ٢٤ ساعة.
- جعفر كنج (الشيعي) لم يعرف قاتله، فضلاً عن ضبطه.
-
آل الجوزو (السنة) تمّ معرفة القاتل، و إلقاء القبض عليه، خلال فترة أيام.
-
سارة سليمان (الشيعية)، ابنة ٢٤ عاماً عرف قاتلها، و لم يتم إلقاء القبض عليه، علماً أن الجريمة وقعت في ٧ أيار ٢٠١٧، أي مضى على هذه الواقعة قرابة الشهرين!
دولة الرئيس :
“زكاة القدرة الإنصاف” كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام ؛ وجميعنا يعرف أنه لو كان هناك أدنى (واسطة) لتم متابعة الأمور بشكل أفضل، و لأخذت العدالة مجراها، لكن للأسف يبدو أن أبناء الشيعة عديمي الإنتماءات السياسية، أو الفقراء منهم، أو الذين لا يحظون بدعم جهات نافذة … دماؤهم لا تعني قعدة الطائفة وزعمائها، و أخوف ما أخافه أن التضحيات التي قدّمها أبناء الشيعة في لبنان، في سبيل عزته و كرامته، هي التي تحوّلت لأن تُفْقِدَ الدم الشيعي قيمته ومعناه، لا سيما وأن في كل قرية شيعية زفّت العدد الوازن من (الشهداء) ..
فبدل أن يزيد احترامنا لدماء أبنائنا وتضحياتهم؛ فقد تدنى احترامنا لهذه الدماء الزكية.
صاحب الدولة :
قد يقول قائل أننا نتحدث بلغة طائفية، و دولتكم تعرفون أن خلفية هذا الكلام عكس ذلك تماماً، نتحدث بصراحة لأننا نهدف للمساواة مع بين كل اللبنانيين، و كل شخص يميّز بين المواطنين على أساس ديني هو الذي يغذي الطائفية و يفعّلها، و هذا ما لا نريده، وهو ما يتحقق بلفتة نظر من دولتكم لأبنائكم الطيبين المستقلين البسطاء، الذين قد لا يملكون مصادر قوة مالية أو سياسية أو أمنية حتى يحصلون على حقوقهم، و يحفظون أرواحهم.
كل الشكر للسلطات اللبنانية للإهتمام بقضية حاموش و آل الجوزو، مع تمنياتنا أن يتساوى المواطنون جميعاً .. و قد كان أضعف الإيمان أن نرى المسؤولين يقفون إلى جانب آل سليمان و آل كنج في محنتهم !!
[ وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ ].
الشيخ محمد علي الحاج العاملي