[ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ] .
لطالما أثرتُ قضية إجراء مصالحات شيعية-شيعية، حيث الضغائن والأحقاد تنتشر في الوسط الشيعي؛ وليس صحيحاً أن الأمور على ما يرام، كما قد يتم الإيحاء !! وأخوف ما أخافه مزيداً من الشرذمة التي لن تحمد عقباها أمام أي تحوّل قد نقبل عليه، فالتحولات سنّة الله في الدول والأنظمة والمجتمعات.
دولة الرئيس:
قد يحسب البعض أنني أعني بذلك مثلاً المصالحة بين حزب الله و أمينه العام السابق الشيخ صبحي الطفيلي، أو بين حركة أمل ومفتي صور السابق السيد علي الأمين، أو بين الحركة والوزيرين السابقين محمود أبو حمدان ومحمد عبد الحميد بيضون، أو فيما يخص مرجعية الراحل السيد محمد حسين فضل الله ومعارضيها، أو الأزمة بين إدارة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والوزير السابق إبراهيم شمس الدين، وهكذا فهناك عشرات حالات التشنج التي يشهدها الواقع الشيعي.. فضلاً عن الحدة في العداء بين المتخاصمين.
دولة الرئيس الحبيب:
إسمح لي أن أعود لأبعد من ذلك، فأنا لا أرى أن القتال الدموي الذي جرى بين الإخوة في حزب الله وحركة أمل قد انطوى بشكل أنهى المسألة من جذورها !! اللهم إلا إذا قصدنا العلاقة بين قيادتي الحزب و الحركة، حيث يسودها الإنسجام و التناغم و المودة، لكن هذه الأجواء لم تنعكس على قواعدهما الشعبية…
طبعاً قد يأتي من يقول أننا ننكأ الجراح، ونفتح ملفات الماضي، وسواها من حجج لا يستعملها إلا الذين ليسوا على شيء؛ حيث إن تذييل الخلافات مع مسبباتها بشكل علمي موضوعي هو هدف نبيل، يؤسس لاستقرار وسلام، بعكس ما يتصور الذين يقاربون المسألة بظاهرها دون الولوج بأعماقها !
مثلاً شهد الشهر الماضي إعادة الكلام ضد السيد محمد حسين فضل الله، حيث كان البعض اعتبر أن الخلافات التي نشأت في النصف الثاني من عقد التسعينات بين السيد محمد حسين فضل الله والسيد جعفر مرتضى، وقبل ذلك بين السيد فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين، قد انتهت ..؛ لكن ظهر جلياً أن أدبيات الماضي استُحضِرت بسرعة قياسية، وأن المجتمع الديني الشيعي مازال يعيش هذا الصراع، بل لكأنه لم ينقطع عنه!!
هذا نموذج حديث وحي، ولا أرغب باستعراض النزاعات التي تحصل دوماً في القرى والبلدات، بين مناصري الحزب والحركة، بل يكفي الوقوف عند الإشكال الذي حصل العام الماضي في الصرفند، و الذي تطوّر لاشتباك بين الطرفين، فهذا نموذج صغير، لا نريد الإستفاضة في تبيين مواطن الخلاف المتجذّر في نفوس المحازبين ..
أستاذ نبيه :
هناك العديد من الخلافات التي تعرفونها أكثر مما نعرفه بكثير، كونكم في موقع الصدارة، فضلاً عن متابعتكم الدقيقة لقضايا المجتمع الشيعي؛ لذا المأمول من دولتكم عدم تجاهل هذا (الجمر الذي هو تحت الرماد) ! وهو ما أكدت عليه أدبياتنا الدينية، فقد جاء عن رسول الله ص أنه قال : “ألا أدلكم على خير أخلاق الدنيا والآخرة ؟ تَصِلْ مَنْ قطعك، وتُعطي منْ حرمك، وتعفو عمن ظلمك”.
وهذا ما نتوقعه منكم، فإن ” آلة الرياسة سعة الصدر” على حد تعبير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
أستاذ نبيه :
قد يقول قائل أن الخلافات الداخلية شأن بشري طبيعي، وهي في كل الطوائف أيضاً، وليست محصورة بالشيعة فقط.. هذا كلام صحيح إلى حدّ كبير؛ لكن الفارق أن أبناء الطائفة الشيعية لا يوجد لديهم مرجعية أبوية تمارس دورها، وسلطتها..، ولتقريب وجهة النظر هذه يكفي المقارنة بين ما تقوم به البطريركية المارونية اتجاه القادة الموارنة المتخاصمين، وهذا ما شهدناه عندما تم جمع الأقطاب الموارنة، الذي نتج عنه مصالحة تاريخية بين بعض زعماء الموارنة.
يضاً فإن دار الفتوى تبقى فسحة مستقلة لقادة السنة، يجتمعون في رحابها متى دعت الحاجة، وهي تمثل مرجعية ذات احترام بعيد إلى حدّ معين… وبالنسبة للمجلس الشيعي فلن نسأل عن جدواه أو عن دوره؛ لكن هل سعى هذا المجلس لجمع المتخاصمين من أبنائه، بل هل له مصلحة بتذييل الخلافات بين أبناء الطائفة!!
كي لا نسترسل، و تصويباً لما نقصده، إننا مع التنوع ضمن الطائفة، وهو مصدر غنى، لكن فرق كبير بين التدابر والإنقطاع، وبين مجرد خلافات في الرؤى و الإتجهات، مع بقاء التواصل والإحترام المتبادل..
وهذه نصيحة علي عليه السلام أختم بها موجّهاً كلامي للثنائي الشيعي و لأخصامه السياسيين على حد سواء : “لا يكون أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته، ولا يكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان”.
[ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ] .
الشيخ محمد علي الحاج العاملي