منذ ولادة العولمة على يد ابرز آلياتها التكنولوجية التي سحقت مفهومي الزمان والمكان، وأصبح الإنسان يرى ويسمع ويشارك أخيه الإنسان في كل بقاع الأرض.
وُلد معها مفهومٌ جديد أنتجتهُ العولمة وظروفها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ذلك هو مفهوم الإنسان الكوني.
الذي أصبحت أداة تحليل مهمة في تفكيك الرؤية الكونية على المستوى الفردي والجماعي، ومفهوم مهم في العلوم الإنسانية والاجتماعية.
ومهما يكن من حال، فإن ذلك الإنسان الكوني ومنذ بداية إنتاجه وتكوين رؤيته، ما انفك يزداد تواصلاً وتواشجاً مع أخيه الإنسان ، شعوراً بالمسؤولية والتكاتف .
وسعياً لإيجاد مخرج من مأزق مجتمع العنف والتحارب والتمييز والتقاتل. فمن هو ذلك الإنسان الكوني ؟
الإنسان الكوني هو ذلك الإنسان الذي يعي ذاته تماماً، ويعي ويفهم الآخر المختلف ثقافياً.
وهو إنسانٌ حداثوي مؤمنٌ بحداثته ومعاصرته. إنسان يفهمُ الآخرين على أساس إنسانيتهم لا غير .
إنسان لا تحجبه الحواجز والحدود، لا تعيقه الاعتبارات والانتماءات الثقافية الضيقة كالهوية والعرقية والعشائرية والدين والجغرافية وما أشبه.
الإنسانُ الكوني إنسانٌ قادر ببراعة على التواصل مع الآخرين بشتى أطيافهم ، إنسانٌ كاريزما من نوع آخر، كاريزما الإنسان الكوني متأتية من إيمانهِ العميق بذاتهِ وحريتهِ وبالآخر وحريته مهما كان.
الإنسان الكوني إنسانٌ متجددٌ كل يوم.
فلا ماض ولا تراث يعودُ به إلى الخلف.
الإنسان الكوني هو إنسانٌ صنعتهُ الظروف المجتمعية في القرن الواحد والعشرين.
صنعتهُ التجارب القاسية، صنعتهُ العولمة. فنُحت تارة بمفهوم العالمية، ونُحت تارة بمفهوم الإنسان الكوني.
والإنسان الكوني، إنسانٌ أنتج ذاته بنفسه وخلق نوع من الوعي الجديد بذاته ليثبت وجوده .
الإنسان الكوني هو مثقفٌ من نوع آخر، ليس مثقفاً من صنف مثقفي التدين.
مثقفٌ اختارَ لنفسهِ طريقاً إنسانياً يسمو به إلى مرتقى إنساني واع.
الإنسان الكوني مؤمنٌ بالآخر قبل أن يؤمنَ بنفسه، وهذه هو سر كونيته.
إنسانٌ يسعى إلى التنقل بين فضاءاتٍ كونية وآفاق إنسانية أرحب و أوسع .
إنسانٌ لا يؤمن بالعنصرية ولا بالجندرية .
إنسانٌ لا يؤمنُ بالتمييز الجنساني ويرفضهُ بشتى أشكاله ومبرراته.
الإنسان الكوني إنسانٌ متفاعلٌ مِعطاء، يعكس ثقافة إنسانية مَرنه قابلة للتغيّر وفق الظروف.
الإنسانُ الكوني إنسانٌ يتعامل مع كافة المُمكنات التي تجعلهُ مُنفتحاً دائماً مع الآخرين، الأمر الذي يجعله في مسعى دائم لان يحقق العيش الرغيد له وللآخرين.
الإنسانُ الكوني إنسانٌ ازدواجي لكنهُ إنسانٌ لا متناقض . إنسانٌ مُتجددٌ متغير لكن مبادئه واحدة .
الإنسانُ الكوني يحتقر أنانيته وينبذها لأنها ببساطة تعيق مد الجسور مع الآخرين .
الإنسانُ الكوني هو إنسانٌ متواضع ومتسامح بكافة المقاييس، إنسانٌ لا يفهم الدوغمائية ولا التطرف.
إنسانٌ لا يؤمن بالخصوصية الثقافية، بل يؤمنُ بالخصوصية الإنسانية والعقلانية، هو رد فعل صارم وصرخة مدوّية ضد التطرف والتعلق بالموروثات والتعصب والصراع.
الإنسان الكوني إنسانٌ لا يؤمن بآيديولوجيا واحدة ، ولا يتأدلج لفكرة ضد فكرة، فكل آلايديولوجيات هي موضوع نظر وتفكير وتأمل واحترام بالنسبة له.
الشئ الوحيد المقدس عنده هو الإنسان ذاته.
الإنسان الكوني لا يعترف بالإنغلاق ولا الإعتزال.
إنسانٌ متواصل منفتح على كل الأطياف والديانات والثقافات يحترم خصوصيتها ويسعى إلى فهمها.
الإنسان الكوني إنسانٌ صنعهُ التأريخ، ذلك التأريخ المرير الذي راحَ ضحيته ملايين الناس، ليس لشئ سوى إنهم اعتنقوا فكرة او آمنوا بعقيدة او مارسوا طقساً ما.
الإنسانُ الكوني إنما جاء ليحرر العقول ويخلق حياة جديدة ومجتمعاً جديداً خالياً من التناقضات والعقد والأحقاد والتخندقات والانتماءات .
الإنسان الكوني إنسانٌ يسعى لخلق مجتمع كوني عالمي لا متعولم، حيث لا ثقافة تفرضها الثقافة الأقوى على الأضعف، ولا طبقات اجتماعية مغلقة.
المجتمع الكوني هو مجتمعٌ معظم أفراده متساوون محترمون.
في المجتمع الكوني تنبذ كافة المقولات الطائفية والآيديولوجية، ولا مكان لمقولة ( البقاء للاقوى ) ، وإنما البقاء للإنسان من حيث كونه إنسان، البقاء للإنسان من حيث انه كوني يَحترم ويُحتَرم.
إن الإنسانَ الكوني يحملُ بذاتهِ مجتمعاً جديداً خالياً من التمييز والطائفية والهوية.
الهوية الوحيدة المسموح بها هي هوية الإنسان وعقله.
لا هويته الجغرافية او الاجتماعية او العرقية.
إن ثمة تجديداً كبيراً يحملهُ المثقف الكوني، بوجه كل الظلم والموروث الثقافي العتيق اللاحداثوي.
إنه تجديد من اجل النجاح، تجديدٌ من اجل الحياة ومن اجل السلام.
في المجتمع الكوني لا مجال للجمود ولا التعصب، فسمة المجتمع الكوني هو التغيّر ولغة الحوار لا التشاتم ولا التقاتل.
مجتمع عالمي بكافة الأوزان والمقاييس. مجتمعٌ رافضٌ للعنف والقتل.
إنه مجتمع المستقبل.
زهرة كرام