إسمع يا دولة الرئيس (٨) : بين العائلات السياسية الشيعية والثنائي الشيعي

[ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ].

قد ماتَ قومٌ ولا ماتت مكارمهم / وعاشَ قومٌ وهم في الناس أموات.

توطئة :

عقب الضعف السياسي الذي لحق بالأسر السياسية الشيعية، فلا يوجد أي محذور -على المستوى الشخصي- من التحدث بشفافية حولها، بمعنى لا يُحمل كلامنا وكأننا نتودد لأحد، فلستُ ممن يطرون على أي صاحب سلطة إطلاقاً ..

دولة الرئيس :

بعدما قدّمنا في المقال السابق لمحةً موجزةً عن ما يسمّى ب(الإقطاع السياسي الشيعي) لا بدّ من الإعتراف بأن الثنائي الشيعي الراهن قد نجح في تشويه صورة العائلات.. والمفارقة أن هذا الثنائي ورِث مواقع السلطة من الإقطاع الشيعي، مع العلم بأن اليسار اللبناني، والجنوبي تحديداً، لعب دوراً محورياً في إسقاط حكم الأسر السياسية الشيعية، لكن اليسار – وعلى عادته – لم يتمكّن من وراثة الإقطاع والوصول للسلطة، بل حلّت مكانه الحركات ذات الطابع الإسلامي (حركة أمل، وحزب الله)؛ ذلك في خضم ما عُرِف بالصحوة الإسلامية التي اجتاحت المنطقة.

دولة النبيه :

لم يكن حكم العائلات السياسية الشيعية بهذا القدر من السوء كما تمّ تصويره، رغم الأخطاء العديدة التي من الطبيعي أن تصدر عن بعض الساسة، فهم بشر، يخطئون ويصيبون، ينجحون ويخفقون.. ويصح فيهما – الأسر والثنائي – حالياً قول الإمام علي : “إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسن غيره، وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه” .. واللبيب من الإشارة يفهم.

فإنّ واقع لبنان الداخلي، والمؤثّرات الخارجية، الإقليمية منها والدولية، خلال المرحلة السابقة، كانت أقوى ليس من العائلات السياسية الشيعية فحسب، بل أقوى من الطبقة الحاكمة في لبنان قاطبةً، فلبنان بلد صغير تحكمه جملة معادلات وموازين، ومجرد أن تبدّلت هذه المعادلات فقد فُسِح المجال لدخول قوى جديدة للساحة، كان منها الثنائي الشيعي، و”إنّ لكل شيء مدّة وأجلاً” كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام.

دولة الرئيس :

كان الناس ينتظرون من حركة الإمام الصدر وحزب الإمام الخميني أن يكونا مثالاً للعطاء والتفاني والإخلاص، انسجاماً مع الشعارات التي طرحاها مع بداية انطلاقتهما .. والتي لم تستمر طويلاً !

وطيلة الفترة الماضية – التي كانت فترة تبلورهما وتشكّلهما كما عليهما الحال راهناً – كان الناس ما زالوا يراهنون على وجود أمل معين، سيحققه الثنائي الشيعي.. لكن مع مرورهما بتجربة أوصلتهما للقمة، حيث ريادتهما وتأثيرهما على مستوى الوطن، فلم يعد الناس يتأمّلون منهما الشيء الكثير .. واتضحت الصورة للرأي العام أكثر، والوعي آخذ بالإنتشار في صفوف المواطنين، الذين لم تعد تنفع معهم المهدئات السياسية التي كانت تستعمل سابقاً..

وهنا لا أبالغ إن قلتُ إن لسان حال المجتمع الشيعي اليوم يشبه إلى حدّ بعيد حال الشيعة في ظل حكم دولة بني العباس، ويصدق عليهم بيت الشعر الشهير الذي يعبر عن سوء وضع الشيعة وقتذاك، بعد ان اعتبروا أن انتهاء حكم الأمويين قد أراحهم، وأن حالهم سيتغير، لكن تبين غير ذلك :

ليت ظلم بني مروان دام لنا / ويا ليت عدل بني العباس في النار.

فحالنا اليوم :

ليت ظلم الإقطاع دام لنا / ويا ليت عدل الثنائي في النار.

أستاذ نبيه الحبيب :

نكرر إن تجربة الأسر السياسية الشيعية قد تخللها العديد من الأخطاء، لكن ليس بالصورة التي تمّ إشاعتها، والتوريث السياسي ليس سلبياً بالكامل، مع إيماننا بأهمية تداول السلطة، فالتوريث السلبي هو الذي يكون دون كفاءة، وبخلافه قد يكون في قمة الحضارة، في حال توفر الكفاءة العالية، حيث الإنطلاق من خبرات وتجارب عريقة .. وهذا ما يصقل شخصية السياسي.

ونحن في الحلقة الأخيرة من مراحل الطبقة الراهنة، يهمني أن أكون شفافاً وصادقاً، علماً أن هذا الكلام لا يرضي الأغلبية الساحقة من أبناء عصرنا، لكنه يرضي ضميري وقناعاتي ..

وإن كنتُ لا أرغب بالحديث عن مقدَّمي الأُسر السياسية الشيعية الأحياء – وبعضهم شهادتي مجروحة بهم – وبالرغم من أنني تعرفتُ عن قرب على الراحلين : الرئيس كامل بك الأسعد، والنائب عبد المجيد بك الزين، والوزير محمود عمار … لكنني سأكتفي بالمقارنة ليس بين رجال السياسة من الفريقين، بل بين نساء (الإقطاع) ونساء الثنائي… وللناس الحكم، فلو أخذنا مثلاً الحاجة زينب أحمد بك الأسعد، تجد أن صفاتها ومناقبيتها يعز أن تراهما في الرجال الحاكمين اليوم عند الشيعة، حسبها أنها كانت إبنة الزعيم العاملي التاريخي الأبرز في القرن الماضي، وزوجة رئيس مجلس النواب (صبري بك حمادة) وشقيقة رئيس مجلس نواب أيضاً (كامل بك الأسعد)؛ لكن لم يعرف عنها إلا الصدق والوفاء والعطاء، إمرأة تتحلى بصفات الإنسان الصالح، الذي يعنيه مجتمعه، كما يعنيه دينه وآخرته..

مرة زرتُ دارة الرئيس صبري بك حمادة في بشامون، فوجدتُ الحاجة (أم ماجد) مثالاً للإنسان الطيب الورع، الذي يعيش هموم الناس ومشاكلهم، بخلفية إنسانية راقية، مجرد أن رأيتها تبادر لذهني حديث الإمام جعفر الصادق عليه السلام: “صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار”!!

ونترك للناس المقارنة مع نساء ساستنا اليوم، علماً أنه إذا كنتُ أرى أن صفات زينب الأسعد غير متوفرة لدى (رجال السياسة) اليوم، فمن الأجدى عدم مقارنتها بنساء السياسيين!!

[ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ ].

محمد علي الحاج العاملي

اخترنا لك