يبدو أنَّ التاريخ يعيد نفسه حتى في القضايا المالية والإقتصادية، وطاولة الحوار، التي انعقدت أمس في قصر بعبدا، تشهد على هذا القول.
منذ عشرين عاماً، وتحديداً في تموز من العام 1997، إنعقدت في فندق “كورال بيتش” طاولة حوار اقتصادية دعا إليها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وسبب الدعوة آنذاك أنَّ مصاعب مالية واقتصادية كانت بدأت علاماتها تظهر على الجسم اللبناني، فسارع الرئيس الشهيد إلى تلقّف كرة النار الإقتصادية، في محاولة استباقية لتصدع الإقتصاد.
بين تموز 1997 وآب 2017، عشرون عاماً، لكن الإقتصاد ظلَّ يترنَّح لأنه في العشرين عاماً الأخيرة، لم تمر سنة من دون اضطرابات ولم تمر سنة من دون قلاقل.
وكان لبنان يدفع من “الخاصرة الرخوة” أي من الإقتصاد، إلى أن وصل البلد إلى ديون عامة، تقول أرقامٌ إنَّها لامست المئة مليار دولار، فيما تقول أرقام أخرى إنَّها تجاوزت المئة مليار دولار.
المأزق الحقيقي لطاولة الحوار الإقتصادية أنَّ طرفَي المواجهة على حق:
فالموظفون والعمال والمتقاعدون يعتبرون أنَّ السلسلة حقٌّ لهم، وأطراف الإنتاج يعتبرون أنَّ إعطاء السلسلة في هذه الظروف، مع تبعاتها الضرائبية، خطرٌ على خزينة الدولة.
في هذه الحالة، كيف يمكن التوفيق بين “حقَّيْن”؟
لا أحد يمكنه إعطاء جواب كافٍ، فطاولة الحوار أمس هي أول اختبار على هذا المستوى، ولم يسبق لأيِّ رئيس جمهورية أن قام بهذه المغامرة.
وهي الأولى، لأنَّه للمرة الأولى جلس ثلاثون قيادياً من القطاعات الإقتصادية سواء الموظفون أو أرباب العمل، أما ما يجب لفت النظر إليه فهو أنَّ الدعوات وجهت إلى أشخاص وليس إلى قطاعات، ما يعني أنَّ المطلوب من هؤلاء الأشخاص أن يقدِّموا الأفكار ليُصار إلى جوجلتها.
وهكذا سيكون أمام رئيس الجمهورية مجموعة من الأفكار عن السلسلة وسبل تمويلها ودرس الأثر الضريبي على الإقتصاد اللبناني.
الذين اجتمعوا في قصر بعبدا يدركون أن كلاماً كثيراً كان يجب أن يُقال عن الوضع الإقتصادي في العقدين الأخيرين وتحديداً منذ العام 2005، فالإنفاق الحكومي خرج عن ضوابطه بشكلٍ مخيف.
كان كل الصرف يتم على القاعدة الإثنتي عشرية، أي أنَّه من دون ضوابط، وهذا ما تسبب في تضخم المديونية العامة، وكذلك ما أدى إلى فوضى في الصرف.
الجميع يعلمون أنَّ السلسلة حق، ولكن من أين تمويلها؟
فالحقوق لأصحاب السلسلة، لا تحتمل نقاشاً. لكن سبل تمويلها تحتمل ألف سؤال حين تكون الضائقة الإقتصادية في أوجها.
لكن ما رافق طاولة الحوار يدعو إلى التساؤل، فالإعتصامات والإضرابات تشكّل التحدي الكبير للعهد، فإذا تم توقيع السلسلة، سيُقال إنها وُقِّعت تحت ضغط الشارع والمواطنين، وإذا لم يتم التوقيع سيتضاعف التصعيد، فالمتقاعدون من العسكريين يعلنون أنَّهم لن يخرجوا من الشارع حتى تحقيق المطالب والتي تقضي بعدم تجزئة الرواتب وقيمة الزيادات عليها.
الخطير في الموضوع أيضاً أنَّ هيئة التنسيق النقابية، وهي لم تكن مدعوة إلى طاولة الحوار في بعبدا، كانت لوَّحت بتعطيل السنة الدراسية، معلنة أن “لا بداية للسنة الدراسية، في المدارس الخاصة والرسمية، بما في ذلك مدارس النازحين، ما لم يُقَرّ قانون السلسلة وينشَر في الجريدة الرسمية”.
إذاً البلد أمام “خريف المطالب”، فهل تنجح طاولة الحوار الإقتصادي في تفادي قلب الطاولة على رؤوس الجميع؟
الهام سعيد فريحه