لقد هللنا لزيارة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني لبنان العام 1997، وقد أبيتُ شخصيّاً إلا أن أؤرّخ لهذا الحدث التاريخي على طريقتي من خلال قيامي بحشد قواي الإيمانيّة والفنيّة لرسم لوحة زيتيّة لهذا الحبر الأعظم الذي يسكن حاليّاً الملكوت السماوي والقلوب، ولم يستغرق تنفيذها معي أكثر من تسع ساعات، وقد انهيتها قبيل الاحتفال بالقداس الإلهيّ في وسط بيروت الذي ترأسه قداسته، وقد تحدّيتُ ذاتي والوقت، وقدّمتها مع عائلتي إلى البطريرك نصرالله صفير في بكركي…
وأيضاً، حملتُ آلة التصوير خاصّتي لألتقط بضعة صور لهذا الرّجل القدّيس، رجل السّلام، في الصّرح البطريركي، وهو الذي حوّل قلبه إلى صرح واسع ملؤه الحب والإيمان والسّلام والرّجاء، وملؤه خصوصاً محبّة كبرى للبنان الذي لم يوفّر مناسبة إلا وتطرّق فيها إلى وضعه المأسوي وعذاب شعبه مطالباً بل عاملاً على تحريره من أوجاعه المضنكة، فعلى سبيل المثال، وفي 12 كانون الثاني 1991، ألقى كلمة أمام أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى الكرسي الرسولي لمناسبة تبادل التهنئة بالسنة الجديدة، أقتطعُ بعضاً منها: “… يجب علينا أن نتوقـّف، بعض التوقـّف، عند بقعة هي الأقرب إلينا، أي الشرق الأوسط، الذي أشرقت منه نجمة السلام في أحد الأيام…
وبالقرب من تلك البقعة، هناك لبنان المتصدّع.
لقد نزع هذا البلد، طوال سنوات، أمام أعين العالم، من دون أن تـُراد أبداً مساعدته على تخطـّي مشاكله الداخليّة، وعلى التحرّر من العـناصر والقوّات الأجنبيّة، التي كانت تريد أن تستغـّله في سبيل أغراضها الذاتيّة.
لقد حان الوقت، لكي تلتزم جميع القوات المسلحة غير اللبنانيّة، الجلاء عن الأراضي اللبنانيّة…”، وممّا جاء في كلمته إلى البطاركة والأساقفة في البلدان المعنية بحرب الخليج، في 4 آذار 1991: ” … سوف يتمكـّن غبطة البطريرك نصرالله صفير أن يعرض علينا تطلعات مواطنيه، مسيحيين ومسلمين.
إنّ حضور البطاركة الكاثوليك: القبطي والسّرياني والملكي والماروني، واللاتيني على أورشليم، والأرمني، يذكّرنا تذكيراً مناسباً، بأنّ مؤمني بطريركياتهم المتفرقين عمليّاً في جميع بلدان المنطقة، يواجهون، مع باقي أخوانهم المسيحيّين، صعوبات جمّة، أهمّها أن يستطيعوا، تأكيد ذواتهم مسيحيّين، على رغم كونهم أقليات، في مجتمعات إسلاميّة تتسامح معهم، وتقدّرهم أو تنبذهم، بحسب تقلـّبات السّياسات الوطنيّة والإقليميّة.
في هذا الخصوص، لا أستطيع السّكوت عن أنه، اليوم أيضاً، لا يزال هناك بلدان لا تأذن للجماعات المسيحيّة، في الإستيطان فيها وفي ممارسة إيمانها وعيشه، وفقاً للمقتضيات الخاصة بمعـتقدها.
أفكّر، بشكل خاص، في المملكة العربية السعودية… “.
ماذا عسانا نضيف على هذا الكلام الجريء المسؤول الواقعيّ الحقيقيّ والذي نستذكره اليوم عن سابق تصوّر وقصد وتصميم، وفي أجواء محمومة من التغيّرات الطارئة في بعض الدول العربيّة حيث تشتعل الثورات المبرمجة ضدّ أنظمة الحكم الظالمة الشموليّة القمعـيّة الفاسدة ورموزها المتربعة على العروش، وحيث يدفع المواطنون العرب أثماناً باهظة لا سيّما في الأرواح، وحيث يعاني المسيحيّون لا سيّما في مصر والعراق اضطهاداً مسعوراً ما بعـده اضطهاد ينتهجه سلفيّون مؤيّدون لقايين قاتل أخيه هابيل، ضدّ مواطنيهم وأخوتهم في الإنسانيّة من المسيحيّين الأبرياء العـزّل خصوصاً الأقباط منهم الذين انتفضوا في الشوارع المضرجة بدمائهم حاملين صلبانهم وصور يسوع الإله المخلص فادي البشريّة جمعاء وصور أمّه العذراء مريم الفائقة القداسة في تظاهرات صارخة مدوّية في ساحات مصر – التي لجأ إليها يوسف ومريم مع طفلهما يسوع هرباً من ذلك السّفاح قاتل الأطفال! – في وجه المجرمين الذين يقتلون ويخطفون ويحرقون ويدمّرون وينكّلون فقط لأنّهم يحقدون!!!
وهنا نسأل مع الطوباويّ يوحنا بولس الثاني، طالبين شفاعته، عن حقوق الإنسان – المسيحي تحديداً- في الدول العربيّة وخصوصاً في المملكة العربيّة السّعوديّة حيث أي شعائر مسيحيّة أو رموز أو كتب أو منشورات أو مظاهر تمتّ بصلة إلى الدّين المسيحيّ مرفوضة ممنوعة ومحظرة وبالتالي يعاقـب الشّرع الإسلامي كلّ من يجاهر بمسيحيّته بأيّ شكل من الأشكال أو يُظهر ما يتـّصل بها ماديّاً أو معـنويّاً!!!
فهل أبشع وأسوأ من هكذا واقع وهكذا معاملة من إنسان مسلم لإنسان مسيحي يعـبد الله على طريقته المسالِمة ويساهم في ازدهار بلد يستفيد من خدماته وكفاءاته ومهاراته الجسديّة والفكرية، فيما يمنعه من ممارسة معتقده المسيحيّ والاحتفال بالقداس الإلهيّ في كنيسة يبنيها على أرض هذه المملكة – ويسوع المسيح إلهنا هوملك الملوك وسيّد الأسياد – لعبادة الله بين جدرانها وتحت سقفها، ويقرع جرسها الذي يجمع المؤمنين في بوتقة الإيمان والمحبّة صانعة العجائب؟؟!!
يا خادم الحرمين الشريفين وأيها العـرب بربّكم أجيبونا،… هلا أجبتنا يا شيخ الأزهر؟!
ويا أيّها الضمير الإنساني ألانطق بكلمة!!!
سيمون حبيب صفير