صار عمر الأزمة شهراً، بأيامه ولياليه ومن دون توقف، قانونا سلسلة الرتب والرواتب والضريبة قُدِّما الى اللبنانيين في آب وسُحبا في أيلول، وعلى مدى شهر، ليس في السلطة مَن يقول للبنانيين:
“العين بصيرة واليد قصيرة”.
العقدة كانت “بضعة عيوب” في قانون الضرائب، فما إن أبطله المجلس الدستوري حتّى انفجرت هذه العيوب دفعة واحدة، لتُظهر أنَّ المشكلة أعمق بكثير وأنَّ المسألة ليست رمانة بل قلوب ملآنة:
إنها أزمة بين القصر الجمهوري وعين التينة.
وأزمة بين المجلس الدستوري وعين التينة.
وأزمة بين أفرقاء الحكومة وتحديداً بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، وتمت ترجمة هذه الأزمة في التراشق الكلامي بين وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير الخارجية جبران باسيل.
وأزمة في مقاربة ملف النازحين السوريين، بين مَن يعتبر أنَّ هناك مناطق آمنة في سوريا ويجب على النازحين العودة إليها، ومَن يعتبر أنَّ مفهوم “المناطق الآمنة” ليس واحداً، فما يراه فريق “آمناً” يجده فريق آخر “تحت سلطة النظام وبالنتيجة غير آمن”.
هكذا قرار للمجلس الدستوري كمَن أشعل عود ثقاب فاحترقت به الغابة، لكن لم يعد يكفي إطفاء عود الثقاب للقول إنَّ الغابة قد أُطفئت.
هذا هو حجم المشكلة، إنه أكبر بكثير من مسألة “قانون ضريبة وإبطاله”… إنه خشية من “إبطال مرحلة الإستقرار”، وكأنها انتهت بين أواخر أيلول 2017 وأوائل تشرين الأول 2017.
فهل الصورة هكذا؟
“أكياس الرمل” السياسية رُفِعَت بسرعة قياسية بين المقرات على خلفية الخوف من المس بالصلاحيات. فعلى سبيل المثال لا الحصر، دوائر عين التينة ممتعضة من مضمون الطعن الذي قدمه المجلس الدستوري، معتبرة أنه في بعض النقاط تجاوز صلاحياته لا بل صادر صلاحيات مجلس النواب التي هي “المؤسسة التشريعية الأم المخولة التشريع وسن القوانين”.
في المقابل، هناك مواجهة بين وزير المال الحالي والرئيس فؤاد السنيورة:
الوزير علي حسن خليل كشف أنَّ الوزارة المالية لا يوجد لديها قيود لـ92% من الهبات التي وصلت للدولة اللبنانية منذ العام 1993 وحتى العام 2010.
وفي الفترة نفسها يوجد عدد لا يحصى من القروض التي تسددها المالية من دون أن تعرف عنها شيئاً.
هذا إضافة إلى العشرات من الحسابات المصرفية غير القانونية للوزارات والمؤسسات العامة.
هذه الفضيحة المالية، كيف يمكن الخروج منها، ومَن يملك الجرأة على القول إنَّ هناك مخرجاً سهلاً؟
عملياً، المشكلة ما زالت واقعة، فالإنتظام العام غير محترم لجهة الهرمية في ضبط المال العام، فحين يتم قطع الحساب أولاً، ثم المصادقة على الموازنة، ثم السلسلة وإيراداتها، نكون فعلاً أمام الإنتظام العام.
لكن أين نحن من كل ذلك؟
في مطلق الأحوال، ووفق ما بات ملاحظاً، فإنَّ الخيارات أمام السلطة التنفيذية باتت تضيق أكثر فأكثر في كل مرة تكون هذه السلطة أمام تحدي إيجاد المخارج والمعالجات، بما يشبه سياسة الهروب إلى الأمام.
الهام سعيد فريحه