أكّدت نتائج انتخابات نقابة المحامين المؤكد، ورسمت صورة مستقبلية مشرقة لدور الكفوئين في تولي مناصب رفيعة بعيداً عن الاصطفافات السياسية والحزبية والمذهبية، ورغم بعض الأصوات التي تعالت رافضة النتائج، متحدّثة عن “تصفية حسابات” و”رسائل مبطّنة” بين الأحزاب، إلا أن الثابت الوحيد هو خسارة مرشحي الأحزاب بالوصول الى مركز نقيب وفوز أندريه الشدياق بـ 2459 صوت خلفًا لأنطونيو الهاشم، على منافسه عزيز طربيه الذي حصد 1492 صوتاً.
بعكس السنوات الماضية ساد الانتخابات جو من المهنية مع تلاشي التأثير السياسي على أعضاء النقابة التي رفض بعضهم التصويت لمرشحين هبطوا بـ “الباراشوت” كرمى لعيون الزعيم، مع تخبط في صفوف 8 و14 آذار، وحضور قوي مؤثّر لمجتمع مدني قادر على التغيير.
وأظهرت الأحزاب في هذه الإنتخابات سذاجتها وتفضيلها لمصالحها على حساب النقابات والاتحادات والطبقة العاملة في شتى المجالات، فهي في المحصلة (أي الأحزاب) تسعى إلى وصول “جماعتها” إلى مركز حساس تستطيع من خلاله تسيير أمورها وصفقاتها ولو كان ذلك على حساب الشعب والبلد برمته.
هذا الحزب لم يعط أصواته لحليفه الاستراتيجي، ذلك التيار خذل تلك الحركة…
هذه نتائج الإنتخابات من منظور المحازبين، ولكن أين الحريات العامة، أين إبداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق، وأين تحقيق رسالة العدالة، أين حقوق المحامين وحصاناتهم وضماناتهم تأميناً لقدسية حق الدفاع؟
أليست هذه أدوار وواجبات النقابة وأهدافها؟
لماذا لم نسمعها في خطاباتكم، حسناً فعل النقيب الشدياق وأصر على استقلاليته التي نأمل أن تنسحب خلال ولايته على النقابة وكل المنتسين إليها.
ماذا حصل للأحزاب؟
القوات اللبنانيّة كانت تدعم فادي مسلّم، الّا أن هذا الأخير انسحب قبل 24 ساعة من الانتخابات. بعضهم يزعم أن سبب الانسحاب كان “قلّة الحظوظ”، وآخرون يرون أن بيار حنا، وهو رجل قواتي قوي، دفع مسلّم الى الانسحاب.
أمّا حلفاء القوات المستجدون، أي “الوطني الحر”، فدعموا فادي بركات.
رغم الدعم الرسمي لبركات، الّا أنّ هذا الأخير لم يحظ باجماع الحزب وكان الانقسام واضح حوله: قسم أوّل دعمه لمنصب النقيب، وقسم ثان دعم الشدياق.
المستقبل والقوات والكتائب تحالفوا بشكل سرّي ما أدى إلى خذلان القوات للوطني الحر، المستقبل لم يعط أصواته لـ”الوطني” أو حركة أمل.
وهكذا فات “حابل” الأحزاب بـ”بنابل” المرشحين.
يمكن أن تعدّ هذه الانتخابات، عيّنة عن الاتجاه العام الذي سيسود في الانتخابات النيابية (على أمل أن تحصل)، والتي تشير الى وجود جزء لا يستهان به من المواطنين ينحازون إلى خيار الكفاءة بعيداً عن الانتماء الحزبي، وعلى أمل ألا تجد الأحزاب ذرائع قبل الانتخابات النيابية لشد العصب الحزبي والمذهبي لمناصريها، يبقى أن نتمنى للنقيب الشدياق التوفيق في ولايته ليثبت لجميع اللبنانيين أن الكفاءة يجب أن تكون المعيار الوحيد للوصول إلى المراكز العليا.
محمد بهيج العاصي