جريصاتي في مؤتمر منظمة كفى حول مناهضة العنف ضد النساء: مدعوون إلى محاربة آفة العنف وحماية الأسرة

عقدت منظمة “كفى عنف واستغلال”، في فندق روتانا قبل ظهر اليوم، مؤتمراً اقليمياً في ختام الايام ال16 العالمية لمناهضة العنف ضد النساء، اطلقت فيه “القانون النموذجي لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات في الدول العربية”، برعاية وزير العدل القاضي سليم جريصاتي وبمشاركة رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون روكز، في حضور ممثلة وزير الدولة لشؤون المرأة جان اوغاسابيان رنده يسر، النائب نبيل نقولا، ممثلة نقيب المحامين اسما داغر حمادة، ممثل المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عثمان عثمان العقيد جوني حداد وقضاة ومحامين ونشطاء في مجال حقوق الانسان.

بعد النشيد الوطني والوقوف دقيقة صمت تضامنا مع الشعب الفلسطيني، كلمة تقديم للمحامية ليلى عواضة، ثم تحدثت مديرة “كفى” زويا روحانا، فلفتت الى ان المنطقة العربية “تعيش حربا مستمرة على النساء سواء بالعنف المباشر بكافة أشكاله أو عبر القوانين أو التقاليد والأعراف القبلية والعشائرية أو عبر الفتاوى الدينية التي تحط من كرامة المرأة وإنسانيتها، مثل تزويج القاصرات وتعدد الزوجات وما يسمى بجرائم الشرف، وغيرها، كل ذلك نتيجة غياب أو ضعف الإرادة السياسية وغلبة العقلية الذكورية لدى القوى السياسية الحاكمة، وهذا يبرز من خلال المساومات بين مختلف أطراف السلطة لتكريس الصورة النمطية للنساء والتمييز ضدهن في القوانين، بخاصة قوانين الأحوال الشخصية والعقوبات، وتهميش مشاركتهن في الحياة العامة”.

ثم تحدثت الوزيرة والنائبة الاردنية السابقة الناشطة في مجال حقوق الانسان الرئيسة التنفيذية لمعهد تضامن النساء الاردني اسما خضر، فشددت على “مسؤولية الدولة عن حماية حقوق الانسان من دون تمييز بين رجل وامرأة لأن المواطن ايا كان جنسه يستحق حمايتها”، لافتة الى ان “الكثير من انماط العنف لا يعاقب عليها في الدول العربية”، وان “تطبيق القوانين يقع على عاتق القضاة لأن القانون لم يكن واضحا”.

وأوضحت ان “مشروع القانون الجديد يقترح استكمال دائرة الحماية من منع الجرائم وتحديد نوعها والمعاقبة عليها وصولا الى الحماية والتعويض واعادة التأهيل”، لافتة الى ان “المجتمع بات اكثر استعدادا لتقبل القانون الجديد وان هذا القانون يرفع سقف المعايير لتأمين حماية ناجزة تنبذ العنف”، ومشددة على ان “احقاق العدل يكون بتضافر جهود جميع افراد المجتمع رجالا ونساء”.

روكز

بدورها رأت روكز ان “إعتماد مسودة لمشروع قانون عربي موحد لمحاربة العنف ضد النساء والفتيات هو الخطوة الأساس، ولكن حماية المرأة العربية لا تقتصر فقط على إقرار القوانين، بل أنها تحتاج الى قضاة، الى رسل العدالة أينما كان في العالم، من أجل تطبيق هذه الأحكام وتأمين الحماية للمرأة في الواقع والتطبيق”، شاكرة باسم الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية “كل قاض وقاضية، ساهم أو ساهمت في رفع الظلم عن إمرأة معنفة وقرر أو قررت حمايتها من الإستغلال الجسدي أو النفسي أو حتى الإقتصادي”، ومعتبرة انهم “المرجع الأول والأخير لكل مواطن لبناني والمرجع لحفظ الحقوق ومنع الإنتهاكات في جميع الميادين وعلى جميع المستويات”.

وشددت على ان “كل ضحية تسقط جراء العنف الأسري هي جرح في مجتمعاتنا، في وجداننا، في إنسانيتنا وفي ضمائرنا، لذا كلنا معنيون وكلنا مدعوون للتحرك لأن المرأة المعنفة، حتى الموت أحيانا، هي الزوجة، هي الأم، هي الأخت هي الإبنة، وأي عقل أو قلب يستطيع أن يقبل لأحبائه هكذا مصير”، مبدية حزنها لكون “أعداد النساء الضحايا الى ارتفاع، حتى في لبنان”، سائلة “هل تخلى بعض الناس عن إنسانيتهم، وهل صار العنف هو الطريق الأقصر لمواجهة المشاكل؟”.

ورأت أن “العنف مدمر، أسريا كان أم مجتمعيا أم سياسيا، وهو مرفوض ومذموم، لأنه أولا يشكل اعتداء معنويا وماديا، فهو اعتداء على الكرامة واعتداء على الجسد، وأحيانا على الحياة بكاملها، بالإضافة الى أنه لا يحل أي مشكلة أو خلاف، بل يفاقم الوضع ويزيده سوءا”.

اضافت: “في تربيتنا وثقافتنا ومفاهيمنا، الرجولة مرادفة للشهامة، للنخوة، للقوة الحامية، فلماذا يحولها بعض مرضى العقول الى مرادف للعنف والقسوة والعدوانية وصولا الى الجريمة؟ والمنزل العائلي هو الامان والطمأنية والملاذ الأول للإنسان عندما تواجهه مشكلة، فهل يعقل أن يتحول الملاذ الى مشكلة بحد ذاته؟ وأن يصبح مصدر الامان مصدرا للخوف والقلق والخطر”؟.

ورأت أن “الإنسانية وروح المحبة والعشرة والتسامح، بالإضافة الى الأخلاق، يجب أن تكون الرادع الأول للعنف الأسري، فإذا تعذرت وغابت لا بد حينها من ردع القانون، ولأن اليد التي تبادر بالعنف يجب أن تجرم وتعاقب، لذا نسعى للوصول الى القانون النموذجي الذي يحمي ويعاقب بما يتلاءم وحجم الجريمة”.

وللمرأة قالت: “سكوتك يشجع، فلا تسكتي ولا تقبلي ولا تسمحي للمرة الأولى ان تحصل، لأنها إن حصلت فستتكرر وتتمادى. ارفعي الصوت واطلبي المساعدة، خصوصا بعدما صار القانون الى جانبك”.

ولفتت الى ان “إعتماد مسودة مشروع قانون نموذجي لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات يظهر كم صار حجم المشكلة كبيراً، ولكنه في الوقت عينه يعطينا دفعا كبيرا من الأمل لأن وعي المشكلة صار مرتفعاً، والمعالجة أضحت أكثر جدية وعلى مستوى إقليمي”، داعية الى “أن تكون وقفتنا هذا اليوم، وقفة ضد العنف بكل أشكاله، وليكن شعارنا هو نفسه الذي أطلقه فخامة الرئيس في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة: إن لم تردع الأخلاق فلتردع القوانين”.

جريصاتي

وكانت كلمة لوزير العدل قال فيها: “بادئ ذي بدء، من اللافت أن تكون واسطة عقد بنات سيد القصر متولية شأن المرأة اللبنانية من خلال ترؤسها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة وحماستها الفائقة والعفوية والممنهجة للدفاع عن حقوقها وإعلاء شأنها في جميع الميادين والمجالات، ما جعل القصر قصر الشعب عن حق، هذا الشعب الذي نصفه من النساء والذي تزين مدخل الطريق المؤدية إليه بمنحوتة تشي بالروح الإنسانية التي ترفرف في أرجائه.

فكل الترحيب بك، لأن الترحيب يليق بك من دون أي محاباة وتزلف، لا نجيدهما.

أما النائب العام لدى محكمة التمييز، القاضي الصديق الصدوق سمير حمود، فهو المرهف والمتحمس دوما لمناصرة المستضعفين من أبناء الشعب اللبناني، وفي مقدمتهم ضحايا العنف الحميم.

ولن أنسى الترحيب بجمعية “كفى عنف وإستغلال”، ممثلة برئيستها السيدة زويا روحانا على الجهود التي تبذلها يوميا وعلى أرض الواقع لمساعدة النساء ومساندتهن في الدفاع عن حقوقهن”.

أضاف: “نجتمع اليوم للاحتفال بمناسبتين عزيزتين على قلبي، على الصعيدين الشخصي والمهني، ذلك لأن هاتين المناسبتين، ألا وهما إطلاق مسودة مشروع قانون عربي موحد لمناهضة العنف ضد الفتيات والنساء وتكريم القضاة الذي ساهموا في التصدي لهذه الآفة ومناهضتها، تعنيان لي شخصيا لأنهما تعبران من جهة عن اقتناعاتي ومعتقداتي الشخصية، وتلتقيان من جهة أخرى مع مرتكزات آداء مهامي وقيمها كوزير للعدل حريص على تطبيق القوانين وملتزم بحماسة منع أي إنتهاك يصيب الإنسان في حقوقه وحرياته الأساسية”.

وتابع: “إن إطلاق مسودة مشروع قانون نموذجي لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات في العالم العربي يحمل في طياته الكثير من المعاني في الشكل والمضمون، إذ يهدف الى حماية المرأة العربية من العنف الممارس ضدها في مجتمعاتنا، وهو عنف مخالف للدين والأخلاق والشرائع والأحكام ومدان على جميع المستويات، ولأنه يعكس، مرة جديدة، أن القضايا العربية هي قضايا واحدة والمشاكل في العالم العربي هي واحدة. فنحن في لبنان، كما في مختلف بقاع الأراضي العربية، محكومون بالوحدة لأن مشاكلنا واحدة وهمومنا واحدة، ومنها مناهضة العنف ضد الفتيات والنساء، وإن كنا، من منطلق واقعي وغير عنصري، نتميز عن المحيط بموضوع حقوق المرأة، مع الإقرار بالجهود الجبارة في أكثر من بلد عربي”.

وقال: “إن وقوفي اليوم في حضرة القضاة ليس من باب الترف في القول، أو المزايدة في الفعل، ولا من باب الرغبة في تصدر الكلام أو الريادة في المقام، ولكن الاستحقاق عظيم والمشهد بمسؤولياتهم جسيم، ذلك لأن المساهمة في الدفاع عن الحقوق، حقوق الناس أجمعين هي مهمة تستحق التقدير والتكريم، فكيف إذا كانت المساهمة في الدفاع عن حقوق اللواتي يتم إستغلالهن يوميا جسديا ونفسيا واقتصاديا، من خلال سوء استعمال السلطة ابتداء من الأسرة مرورا بمراكز العمل وصولا الى مراكز الحكم في الدولة؟”

أضاف: “أيها القاضيات والقضاة المكرمين، أنتم المثال الواجب الاحتذاء به، وكم أنا فخور اليوم بمشاركتي بتكريمكم.

استمروا بنهل العلم والثقافة التي تجعلكم دوما أمكن وأقدر على القيام بمهامكم توصلا للارتقاء بمنظومة العدالة ككل الى مستوى الإصلاح الشامل في مجتمع تتمتع فيه المرأة بالحقوق عينها التي يمارسها الرجل وعلى قدم المساواة معه”.

وتابع: “أما بعد، إن أطفالنا ونساءنا وشيوخنا وجميع الفئات الضعيفة أو المهمشة داخل أسرنا بحاجة الى تعزيز حمايتهم من آفة العنف التي تمارس في الظلمات وفي خبايا المنازل.

فمن الصادم في مكان ما، أن نكتشف، نحن في لبنان، منارة الحرية والحقوق في المشرق العربي، أنه لا تزال النساء اللبنانيات وأطفالهن عرضة للانتهاكات الصارخة لأبسط حقوقهم الإنسانية ألا وهي الحق بالمحافظة على السلامة الجسدية والنفسية، وهي من الحقوق الأساسية المسماة “طبيعية” المعترف بها دوليا للانسان في مختلف بقاع الأرض من دون أي عنصر تمييز مبني على أساس الجنس أو الجندر أو غيرها من عناصر التمييز والمفاضلة.

لا يمكننا أن نقبل بهذا الواقع، أو أن نقف أمامه عاجزين، بل كلنا مدعوون اليوم، كل من موقعه المهني وانطلاقا من مسؤولياته، سواء أكانت سياسية أو قانونية أو قضائية، الى محاربة هذه الآفة الاجتماعية كتفا الى كتف في الداخل اللبناني وفي عالمنا العربي وفي العالم أجمع”.

وختم جريصاتي: “نحن مدعوون اليوم للتغيير لأننا بالدرجة الأولى مسؤولون، فمن باب هذه المسؤولية نعمل لنغير الواقع ونناهض العنف بالوسائل المتاحة كافة، ليس فقط لأن تفعيل مبادىء حقوق الانسان في الواقع والممارسة يجب أن يكون في صميم اهتمامات وزارة العدل وفي صميم المهام القضائية، بل أيضا وأيضا لأننا جميعا معنيون بحماية الأسرة بكاملها، نساء وأطفالاً وكهولاً، من العنف بجميع صوره وأشكاله، الأسرة التي تشكل النواة التي سينطلق منها الفرد لأخذ دوره التفاعلي في تطوير مجتمع أفضل ودولة أقوى، فهنيئا للبنان بقضاته، وهنيئا للعالم العربي بقانون موحد لمناهضة العنف الممارس ضد النساء والفتيات فيه. عشتم، عاشت المرأة العربية، عاش لبنان”.

ختاماً كرمت “كفى” 30 قاضياً وقاضية ساهموا في تنفيذ قانون حماية النساء من العنف الاسري الرقم 293/2014 وساهمت قراراتهم بسد الثغر الموجودة فيه، وتمت الافادة من تجربتهم في صوغ مسودة تعديل القانون والتي تبنتها وزارة العدل واقرت في مجلس الوزراء وينتظر ان تحال على مجلس النواب لإقرارها.

اخترنا لك