عاد الحديث عن تنظيم “داعش” يطفو على السطح وسط تحذيرات من مسؤولين دوليين من عودته بنسخة مطورة أكثر “إجراماً” وعلى أكثر من بقعة في العالم.
فمنذ طرد “داعش” من الموصل عن طريق القوات العراقية والمجموعات الموالية لها، ومن الرقة بقتال قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل المكون الكردي غالبيتها العظمى، في أيلول الماضي، انخفض ذكر التنظيم بشكل كبير، حتى أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال صراحة إنه “انتهى”.
مؤتمر التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش”، الذي عقد الثلاثاء في الكويت، ورغم تأكيده على تدهور حالة التنظيم، بعد 3 سنوات ونصف السنة من جهود القضاء عليه، أعرب عن استعداده وتأهبه الدائمين لمواجهة خطر هذا التنظيم “العابر للحدود”.
مسؤولون غربيون يخالفون الرئيس التركي ويؤكدون أن التنظيم ما زال نشطاً، حيث أوضح وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، أن انتهاء العمليات القتالية الرئيسية ضد تنظيم “داعش” لا يعني أن الولايات المتحدة وحلفاءها ألحقوا هزيمة دائمة بالتنظيم. وأضاف تيلرسون خلال اجتماع للتحالف الدولي، أن واشنطن قررت تقديم مساعدات إضافية قيمتها 200 مليون دولار لتحقيق الاستقرار في المناطق المحررة بسوريا.
– تغيير القيادة
العامل الأهم الذي ينذر بعودة ظهور “داعش” هو تغيير القيادة، فقد أكد مسؤولون أميركيون تحدثوا لـ”سي إن إن” أن أبا بكر البغدادي، زعيم التنظيم، تعرض لإصابة من جراء غارة جوية، في أيار الماضي، منعته من ممارسة مهامه خمسة أشهر، ما اضطره إلى التنازل عن مهامه إلى إدارة (لم تحددها) تعمل على إعادة تنظيم تحركات “داعش”.
وبحسب تصريحات المسؤولين، الذين طلبوا من “سي إن إن” عدم ذكر هوياتهم، فإن التقييم الدقيق لوكالات الاستخبارات الأمريكية يشير إلى أن البغدادي، الذي يعتبر المطلوب الأول على مستوى العالم، كان في منطقة مجاورة لمدينة الرقة السورية عندما استهدفه صاروخ.
وما يؤكد هذه الفرضية وفق مراقبين هو ما أعلنه وزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو، عن أن التنظيم عاد للعمل “كمنظمة إرهابية عابرة للحدود”، مضيفاً: “بعد هزيمته العسكرية عاد تنظيم داعش الإرهابي إلى العمل كمنظمة إرهابية عابرة للحدود، ولهذا علينا العمل لوقف قدرات تمويلها الذاتي؛ لأن في ذلك خطراً على أمننا”.
كما أكّدت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، استناداً إلى تقارير استخباراتية، أن كثيراً من مقاتلي التنظيم فرّوا من سوريا باتجاه جبهات أخرى، على حدّ وصف تلك التقارير، وأن بعضهم استقرّ قرب دمشق، بعد أن تسلّلوا من مواقع القتال، ما يعني “أن الحديث عن هزيمة التنظيم ما زال أمراً مبكّراً”.
وحسب تلك التقارير، فإن المقاتلين فرّوا من مواقع القتال إلى الجنوب والغرب من خلال خطوط الجيش السوري، إذ تمكّنوا من التسلّل، مشيرةً إلى أن “الكثير منهم بانتظار الأوامر التي يمكن أن تأتيهم من قادتهم عبر رسائل مشفّرة”. وتؤكّد التقارير الاستخباريّة أن مقاتلي التنظيم دفعوا آلاف الدولارات للمهرّبين من أجل إجلائهم خارج الحدود إلى تركيا، ومن هناك انطلق الكثير منهم في رحلة العودة إلى أوطانهم، خاصة إلى أوروبا.
– جذور داعش الفكرية
سبب آخر قد يكون كفيلاً بظهور “داعش” من جديد هو جذوره الفكرية التي غرسها طيلة السنوات الـ3 الماضية، وتركت أثراً سيئاً على نفوس أهالي تلك المناطق وعقولهم، ولا سيما الأطفال منهم.
وحول هذا الموضوع يقول أستاذ علم النفس، أحمد الدوري، في حديث لـ”الخليج أونلاين”: إن “تنظيم داعش كقوة عسكرية انتهى في العراق؛ لكن جذوره الفكرية والعقائدية لا تزال موجودة في المناطق التي خضعت لسيطرته”.
-عودة “الدواعش” إلى أوروبا
سبب ثالث يعزز مخاوف ظهور التنظيم من جديد على أراضي جديدة هو عودة مقاتلي “داعش” الذين يحملون جنسيات أوروبية إلى بلادهم، وبلغ عددهم بحسب وكالة الأنباء الألمانية نحو خمسة آلاف مقاتل.
وفي بريطانيا أكدت الاجهزة الامنية والاستخبارية أنها تتابع تحركات هؤلاء العناصر، في وقت تسعى فيه إلى ايجاد الصيغ المناسبة لإعادة اندماجهم في المجتمع. وتبنى تنظيم “داعش” هجمات أسقطت قتلى في دول أوروبية عديدة، وسط مخاوف من أن يشن العائدون من التنظيم هجمات في الدول الأوروبية التي انطلقوا منها إلى الشرق الأوسط.
وحذر خبراء في مركز “جينز” لأبحاث الإرهاب والتمرد البريطاني من أن التهديد الإرهابي لأوروبا سيزيد هذا العام مع عودة “إرهابيين” إلى بلدانهم، من دول تنتشر فيها تنظيمات إرهابية ولديهم خبرة في التعامل مع الأسلحة والتكنولوجيا.
ونقلت صحيفة دايلي تلغراف البريطانية عن الخبراء قولهم إنه “من المتوقع أن تسجل زيادة في عدد الإرهابيين العائدين إلى بريطانيا وأوروبا وقد اكتسبوا مهارات في سوريا والعراق مثل تصنيع السيارات المفخخة والعبوات الناسفة وغيرها من الأمور المتعلقة بالأسلحة”.