عكف المحللون والباحثون على رصد كيفية نشوء تنظيم “داعش” الإرهابي، لكن يبدو أن تقارير توصلت أخيرا إلى نتيجة واقعية.
فقد رصدت ميريام بنراد، الباحثة والأستاذة في العلوم السياسية في جامعة “ليدن” الهولندية، في تقرير نشرته على مجلة “ذا كونفيرسيشن” الجنوب أفريقية، العلاقة التي وصفتها بـ”المريبة” ما بين أيديولوجية صدام حسين القديمة وظهور ونشأة تنظيم “داعش” الإرهابي.
وقالت بنراد: “دوما ما يكون التساؤل حول إذا ما كان داعش ظهر من صلب حزب البعث القديم، أم أنه كيان منفصل تماما؟، لكن الواقع ربما يظهر أنه كان مزيجا من الاثنين معا”.
معلومات استخباراتية
ودللت الباحثة الفرنسية عن صحة تلك الفرضية، بمجموعة من التقارير التي كشفت عن معلومات استخباراتية سرية، تظهر ارتباط عناصر تابعة لحزب البعث العراقي، الذي يمتلك أيديولوجية صدام حسين، بتكوين كوادر “داعش”.
وأشارت إلى أن فيديو استجواب أجرته قوات “سوريا الديمقراطية” في 10 كانون الثاني 2018، واتهم فيها أحد عناصر التنظيم الإرهابي، الفرنسي توما بارنوين، تنظيم “داعش” بأنه استعان بعدد من أعضاء حزب البعث السابقين، وعدد من عناصر أجهزة الاستخبارات الغربية لتأسيس كوادره.
ولكن ربما تكون ادعاءاته محسوبة على “نظرية المؤامرة”، والقول للباحثة الفرنسية، خاصة وأنه كان مسجونا لدى القوات الكردية، التي يربطها عداء كبير مع النظام البعثي السابق، الذي يملك عداء كبير مع الأكراد.
العلاقات القديمة
واستفاد “داعش” كثيرا من الجمهور العريض، الذي كان مؤيدا لفكر “البعث”، رغم أن “السبب الرئيسي” لظهوره هو الاحتلال الاميركي للعراق، بحسب تقرير مجلة “ذا كونفيرسيشن”.
ولكن تقرير سابق لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، بتاريخ 4 نيسان 2015، تحدث عن “وجهة نظر معاكسة”، ألا وهي وجود علاقات قديمة قبل احتلال اميركا للعراق، كان يجهزها نظام صدام حسين لسيناريو الاحتلال لتأسيس تلك الجماعة التي عرفت فيما بعض بـ”داعش”.
ووصفت تلك الخطة بأنها “الخطة ب”، التي يمكن من خلالها قادة النظام البعثي الوجود في الصورة بمشروع سياسي جديد، لكن تطور وأصبح مشروع إرهابي.
أما بنراد فرأت، أن الاحتلال الاميركي ، كان أحد الأسباب الرئيسية في ظهور التنظيم الإرهابي، خاصة بعدما صدر في 2003 قرارا بإقالة الضباط والجنود العراقيين، بعدما حلت الجيش وعدد من الهياكل السياسية للنظام العراقي، ما تسبب في انهيار الدولة وتصاعد العنف المسلح المتطرف.
وتسبب ذلك القرار في تسريح ما لا يقل عن 250 ألف جندي عراقي، ما دفع الكثير منهم للانضمام إلى خندق المتمردين على السلطات الموجودة حاليا في البلاد، وبدأ الموالين لحزب “البعث” في التواطؤ مع الفصائل الجهادية قبل الحرب.
إرث قديم
وتطرقت الباحثة الفرنسية إلى أن صدام حسين نفسه، في أحد أبرز خطاباته بعد سقوط نظامه إلى “الجهاد” ضد العدوان الخارجي والخونة، ولكن لم يظهر أي دلائل حقيقية على وجود اتصالات بأي من الحركات الجهادية الدولية قبل 2003، كما أنه كان محاربا للفكر الإسلامي المتطرف سواء السني أو الشيعي طوال فترة حكمه.
وأردفت “هذا يبدو أنه لم يثن مئات من العرب السنيين العراقيين الموالين لنظام صدام حسين وعدد من المواطنين العاديين من الانضمام إلى التمرد بعد سقوط الرئيس العراقي، خاصة بعدما بات الاحتلال مسيطر على الحياة اليومية لهم، فمنهم من اتجه إلى الجماعات القومية، ولكن آخرين اتجهوا إلى الفصائل السلفية، التي كان منها داعش، وخاصة أن الأخيرة كانت الوحيد التي تبشر بثورة سياسية عن طريق إنشاء دولة مختلفة وهي دولة الخلافة”.