النقاشات المتواصلة بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية حول خريطة التحالف الانتخابي المشترك، لم تصطدم فقط بالخلافات حول حدود هذا التحالف واماكن الالتقاء «والفراق»، الخلاف مستمر ايضا حيال مقاربة الشعارات التي يجب ان يخاض من خلالها هذا الاستحقاق، وتبقى النقطة المركزية غير المتفق عليها: هل الاولوية مواجهة حزب الله او التيار الوطني الحر؟
اوساط مطلعة على النقاشات الدائرة بين الطرفين، تؤكد ان رئيس الحكومة سعد الحريري يريد تحفيز الناخبين السنة في المرحلة المقبلة للنزول الى صناديق الاقتراع، خصوصا في دائرة بعلبك- الهرمل، والبقاع الغربي، وصيدا، هو يحتاج الى خطاب تعبوي في وجه حزب الله «القادم من بعيد للسيطرة على المجلس النيابي المقبل والقضم من الحصة النيابية السنية»..ولا يملك رئيس الحكومة غير هذا «السلاح» لمحاولة رفع نسب التصويت وخلق »عدو» وهمي يدخل الحماسة الى «قلوب» ناخبيه.
في المقابل لا تعتقد القوات اللبنانية ان ثمة جدوى في منح حزب الله دعاية مجانية غير واقعية تساعده على دفع ناخبيه للذهاب الى صناديق الاقتراع، فلا التركيز على السلاح مفيد، ولا الايحاء بأن »حزب الله« الذي فصّل قانونَ الانتخاب على قياسه سيفوز بالغالبية النيابية ويدفع باتّجاه تعديل موازين القوى داخل المجلس لتمرير القوانين التي تناسبه، يمكن ان يؤدي الى النتيجة المرجوة.
فهذا «التسليم» بالنتائج مسبقا سيؤدي حكما الى تقليل حماسة منافسيه، وعندما يتحدث البعض عن نيل الحزب وحلفائه 46 مقعدا، يجعله منذ الان خارج اطار المنافسة. وتعتبر تلك الاوساط ان نفي السيد حسن نصرالله سعيه لنيل لأكثرية نيابية او «الثلث» المعطِّل، مجرد استدراج للطرف الاخر لخوض نقاش في هذه المسألة، لن يؤدي الا الى المزيد من الاحباط لدى جمهور الطرف الاخر الذي ستدفعه النقمة على من وافق على هذا القانون، للاستنكاف عن الذهاب الى صناديق الاقتراع بما يؤدي الى نتائج عكسية غير متوخاة.
ومن هنا، ترى «القوات» ان الاولوية في هذه المرحلة تقضي بمواجهة التيار الوطني الحر باعتباره حليف الحزب سياسيا، واستراتيجيا، واضعافه يجب ان يكون اولوية لانه سيفقده «الحاضنة» المسيحية التي يريدها «لتغطية» سلاحه واعطائه «شرعية» في الوسط المسيحي، ولذلك من الاجدى اضعاف «التيار البرتقالي» في المجلس النيابي، وخلق توازن مسيحي يفقده «ادعاء» تمثيل غالبية المسيحيين، وهذا حكما سيؤدي الى توجيه «رسالة» بالغة الدلالة الى حزب الله.
هذه الاستراتيجية «القواتية» لا تتناسب مع مقاربة الحريري للمرحلة المقبلة، وبحسب تلك الاوساط، ابلغ وزير الاعلام ملحم رياشي انه متفاهم مع »التيار» سياسيا انطلاقا من علاقته الوطيدة مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وهو ليس في صدد ضرب هذه العلاقة لاهداف انتخابية «عابرة»، حدودها الفوز بمقعد هنا او هناك… كما شدد الحريري في لقائه الاخير مع وزير الاعلام على ان انجاح العهد مسؤولية لن يتخلى عنها تيار المستقبل لان اضعافه سينعكس حكما على الحكومات المفترض ان يترأسها خلال مدة وجود الرئيس عون في بعبدا. وهذا الاتفاق لا يزال ساريا واكد عليه رئيس الجمهورية في آخر «تواصل» حصل بينهما بعد عودته من السعودية، حيث اكد له رئيس الحكومة في المقابل ان شيئا لن يتغير في التقاهمات الانتخابية بعد الزيارة، والسعوديون اقتنعوا بان قانون الانتخابات الجديد يفرض نفسه على الجميع ولا امكانية لاحداث اي تغييرات «دراماتيكية» لا في التحالفات ولا في النتائج.
وازاء هذه المعطيات ادركت «القوات» محدودية التغيير في استراتيجية رئيس الحكومة بعد زيارته الى الرياض، وهي تنظر «بعين الريبة» الى اصرار الحريري على عدم خلق مناخ مؤات يسمح بعودة الرئيس فؤاد السنيورة الى الندوة البرلمانية، وهذا ما يترك اكثر من علامة استفهام ازاء كيفية مقاربة تيارالمستقبل لمرحلة ما بعد الانتخابات، فقد خسر رئيس «القوات» سمير جعجع «ورقة» مهمة للغاية داخل تيار المستقبل، كان يعول عليها في ما مضى لكبح جماح الحريري ووقف «تنازلاته»، لكن سياق الامور يوحي بان المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من التنازلات لرئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، وهما الوجه الاخر لحزب الله مسيحيا، ويشكلان خطرا اكبر على «القوات» لان المنافسة هنا ضمن «البيت الواحد».
«فالقوات» ترى ان اخراج احد «صقور» قوى 14 آذار من «الباب الصغير»، يؤكد بان مرحلة «المهادنة» مستمرة وستمدد الى ما بعد الانتخابات، ووفقا لمعلوماتها، كان اخراج السنيورة عن سابق تصور وتصميم من قبل الحريري، وكان ثمة تعويل على اعادة الاعتبار له من خلال سحب الامين العام لتيار المستقبل احمد الحريري الذي كان يفترض ان يترشح عن احد مقاعد صيدا، بعد عزوف والدته النائبة بهية الحريري عن الترشح، لكن ضغوطا كثيرة مورست عليها لاقناعها بالعدول عن قرارها بهدف اقصاء السنيورة، وعند مقاربة الملف في السعودية، كان الحريري واضحا انه من غير المناسب اخراج عمته من الندوة البرلمانية لما تمثله من «رمز» عائلي، واذا اراد السنيورة يمكنه ان يترشح الى جانبها، وهو ما اعتبره رئيس كتلة المستقبل، وصفة لاخراجه من «الحياة» السياسية بطريقة غير لائقة، فقرر العزوف عن الترشح.
وازاء تلك المعطيات، ثمة اجواء «مستقبلية» لا توحي بأن طبيعة العلاقة مع «القوات» ستعود الى ايام «الماضي الجميل»، ثمة حسابات جديدة يتحرك من خلالها الحريري، بعد استعادته للعلاقة مع المملكة، هو سيلبي رغبات المسؤولين السعوديين باعادة التواصل المباشر مع «الحكيم»، وسيتحالف «بالقطعة» معه، ولا ضير من تفاهمات سياسية على الخطوط العامة، لكنه من الان وصاعدا سيتعامل معه على قاعدة انه الرقم واحد في السعودية، وذلك بعد محاولة «الحكيم» «سرقة» هذا الدور.
وفي موازاة ذلك ترى اوساط مقربة من حزب الله أن الخلاف بين «القوات» «والمستقبل» على استراتيجية المواجهة، لا يقدم او يؤخر، سواء ادى تحالفهما او «فراقهما» الى خسارة هنا او هناك في لوائح «الثنائي الشيعي».. فحزب الله لم ولا يسعى وراء الثلث «الضامن» اوالأكثرية في مجلس النواب فالتوازنات الجدية في البلاد تبنى خارج اسوار «ساحة النجمة»،
الرئيس الحريري يعرف ذلك، ويدرك ان معركته في مكان آخر، وعنوانها استعادة بريقه المفقود على الساحة السنية والوطنية بعد ازمته في السعودية، فيما معركة «القوات» محصورة باستعادة التوازن مع التيار الوطني الحر ومزاحمته مسيحيا. اما حزب الله فيبقى بمنأى عن حسابات الربح والخسارة العددية في البرلمان، والجميع يذكر ان انتخابات 2009 جاءت لمصلحة 14قوى آذار، ولم تستطع ان تترجَم مشروعها على ارض الواقع، فقضايا مثل تعديل «الطائف»، او تشكيل الحكومات، وغيرها من القضايا المصيرية تحتاج الى اجماع وطني، لا الى انتخابات نيابية تبقى خاضعة لمنطق التسويات الداخلية، اما تطورات الاقليم فتعطي حزب الله تقدم مريحا على «خصومه» وهناك لا مكان للمنافسة من احد.
ابراهيم ناصر الدين