تباعاً يكتمل إعلان اللوائح والبرامج الانتخابية للقوى السياسية الرئيسية. سبق الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله في إعلان البرنامج الانتخابي لكتلته الانتخابية كل من الرئيس سعد الحريري والرئيس نبيه بري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل.
في وقت تتقاطع هذه البرامج في خطوطها الرئيسية، لناحية اللائحة الطويلة من مواقف التشديد على التمسك بدولة المؤسسات وزيادة التنمية وإطلاق عجلة الاقتصاد ومحاربة الفساد وصولاً إلى بناء المطارات والموانىء والجامعات وغيرها، وهذا يعني فيما يعنيه أمران: الأول أن الدولة وأجهزتها ومؤسساتها شبه مهترئة وتحتاج لإصلاح سريع إدارياً واقتصادياً وعملية إعادة البناء ربما تحتاج منهم البقاء في المشهد السياسي لعقد إضافي ربما.
والأمر الثاني أن هذه البرامج ليست سوى عناوين انتخابية تستهدف استثارة حماسة الناخبين وزيادة الحصة النيابية للأحزاب، وتحتاج لتنفيذها أو تنفيذ نصفها أو ربعها – في حال صدقت النوايا وانتظمت الأمور وساد الوئام – عشر سنوات بالحدّ الأدنى!! وما مشكلة الكهرباء المزمنة سوى شاهد على الفساد المستشري الذي لم تزده وعود الإصلاح إلا رسوخاً واستفحالاً وفضائحية.
“سوبرمان” مرشحاً
في الطريق إلى الانتخابات تكثر الصور والشعارات من كل الألوان والأحجام، في كل زاوية وطريق، وعلى كل جسر وبناء، في الأملاك الخاصة وعلى الأملاك العامة.. ومن نِعم “الفوتوشوب” أنه يجعل الكلّ جميلاً، ضاحكاً، باسماً مفعماً بالشباب والأمل والجاذبية والوقار.. وهذا حقّ للمرشحين، ومن بينهم 22 مرشحاً تتجاوز أعمارهم السبعين وصولاً إلى الـ 90 سنة.
ومثل صورهم، سير المرشحين الذاتية، نواباً وطامعين بالكرسي، لا تقل إشراقاً ودلالات، بينهم 16 صاحب معالي، والطبيب والمهندس، والحاج، ورجل الأعمال.. وأيضاً المختص بالاعتراض على كل شيء.. في سير أحد المرشحين الذاتية أنه يفهم في: الطب، الهندسة، العلوم، الرياضيات، علوم الفضاء والبحار، الآثار، علم نفس والاجتماع والألسنيات، السوسيولوجيا والانثروبولوجيا، والأديان المقارنة، والقانون والموسيقى، والشعر التقليدي والحديث والنقد، والناسخ والمنسوخ، والمحاسبة وعرض أزياء.. وقد تكون بعض الاختصاصات سقطت سهواً!!
القاموس المحيط
بالعودة إلى الشعارات الانتخابية، فهي تعكس طموحات الأحزاب وعناوين مشاريعها السياسية، وفي بعضها شحنات عاطفية تستجر العصبيات أو تستدعي حنين الانتماء والأصالة، هكذا تشكل في مجموعها قاموساً ثرياً يمكن للأجيال اللاحقة أن تفخر به كنتاج حضاري يعكس الحيوية السياسية للمجتمع اللبناني.
مثلاً في دولة يستشري فيها الفساد حتى النخاع، وتنعدم الخدمات حتى البديهية منها، تخرج الحملات الانتخابية للأحزاب (وبعضهم يمارس السلطة منذ ربع قرن) تريد الاستقرار، المساواة، السيادة، الأمان، الإنماء، الإستقلال، وأحزاب تريد أن تبني وتحمي وتواجه الإرهاب وتوغل في التخويف من داعش والنصرة وأشكالهما إن لم يتم انتخابها.
ومنطق العفاف عند أحزاب أخرى يوجب المطالبة بالكفاءة بديلاً عن الواسطة، والمحاسبة بدلاً من محسوبية، ومثلها المساءلة والشفافية بديلاً عن اللفلفة والضبابية، باختصار يريد هؤلاء دولة بدل الدويلة والمزرعة. كذلك يحضر العنصر الديني بقوة أيضاً من “طريق القديسين” الى “الخرزة الزرقاء”، وما قد يستتبعه ذلك من استحضار لطاسة الرعبة وبخور طرد الأشباح.
والحديث عن القوة يجرّ لشعارات مثل: “الحزب القوي الذي يريد دولة قوية”، و”مرشحكم القوي”، و”صوتك قوي” و”صوتك جبل” و”يا جبل ما يهزك ريح”، ومن غير المجتمع المدني لا تهزّه كل أساطيل السلطة وهو يرى في هذه الانتخابات، لا سواها “فرصة حقيقية” (السابقة كانت مزيفة) للتغيير، لكنه للمفارقة لا يستطيع الاتفاق على تنسيق جهوده في لوائح مشتركة!!
الانتخابات النيابية فرصة للتغيير وللتمرد على الواقع إن أحسن الناس الاختيار.. لكن من قال أنهم دائماً يحسنون ذلك، أحد المرشحين دعا الناخبين للتصويت له، وهو يعلم أنه مكروه من قبل ناخبيه، فاتخذ شعاراً لحملته الانتخابية (عسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً)..
احمد الزعبي