دعوةُ الرئيس ميشال عون إلى فصل النيابة عن الوزارة لم تأتِ من فراغ، خصوصاً عشية انتخاب برلمان جديد والتحضير لتأليف حكومة جديدة.
لا يجب إسقاطُ احتمال أن تكون لدى رئيس الجمهورية الرغبة الحقيقية في تحقيق الفصل بين النيابة والوزارة، ولكنه تجنّب التعهد رسمياً خشيةً من عدم تحقيقه، علماً أنه كان باستطاعته القول مثلاً إنه بانتظار تحويل هذه المسألة إلى قانون ملزم سيسهر على إقراره، سيحرص بالمقابل على تطبيقه داخل «التيار الوطني الحر»، وبالتالي تجنّبه تعهّداً من هذا النوع يدلّ بوضوح أنّ الفكرة المطروحة ما زالت بين منزلتين: خروجها من المداولات السرّية لمزيد من الضغط في هذا الاتّجاه، ولكنها غير محسومة بعد.
وأما الأسباب التي دفعت لهذا التوجه فيمكن تلخيصها بالآتي :
الجانب الأول عائلي، حيث لا يجوز مثلاً، في حال أفضت الانتخابات النيابية إلى فوز رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في البترون والعميد شامل روكز في كسروان، أن يواصل باسيل تربّعَه على رأس وزارة وأن يحرم شامل من توزيره، علماً أنه كان يتوقع خطوة من هذا النوع في الحكومة الأخيرة وفي حقيبة وزارة الدفاع، فيما عدمُ توزيره سيزيد الشرخ داخل العائلة ويؤدّي إلى خروجه إلى العلن بشكل فاضح تحت قاعدة لماذا يصحّ لباسيل ما لا يصحّ لغيره، وهناك صهر بسمنة وصهر بزيت.
الجانب الثاني يتصل بصورة العهد، حيث لا يُعقل مبدئياً أن يُصار إلى توزير باسيل وشامل معاً، وبالتالي حصر السلطة والنفوذ الرسمي داخل العائلة، ومحاولات تبسيط تدبير من هذا النوع على قاعدة أنه لا يمكن إنكار وجودهما وحضورهما لا تقطع على أحد، فيما بالتأكيد صورة العهد ستكون أفضل بكثير في حال عدم توزيرهما معاً.
الجانب الثالث من طبيعة حزبية، حيث إنه يمكن تبرير التوزير المتواصل لباسيل باعتباره ليس نائباً، أما وقد تمّ انتخابُه فلا يجوز أن يستمرّ في الوزارة، وإلّا ما المبرّر لعدم توزير فلان أو علتان من الشخصيات المنتخَبة، فيما يفسح الفصل في توسيع قاعدة المشاركة.
الجانب الرابع سلطوي، حيث إنّ «التيار الوطني الحر» قطع وعوداً إبان المفاوضات الانتخابية بمقاعد وزارية لا تكفي لوزارة ثلاثينية، وبالتالي استبعاد توزير باسيل وشامل يفسح في المجال أمام التزامه بالوعود التي قطعها ولو بالحدّ الأدنى، فيما لا يجب التقليل من احتمال أن تكون الدعوة إلى فصل النيابة عن الوزارة هدفها التنصّل من تلك الالتزامات بطريقة شرعية لا يستطيع معها الموعودون بجنّة الوزارة الاعتراض، لأنّ ما ينطبق عليهم ينسحب على «التيار الحر»، وبالتالي تكون أفضل طريقة للتنصّل من الوعود التي سبقت التحالفات الانتخابية.
الجانب الخامس يتصل بتوجّه الرئيس عون في مرحلة ما بعد الانتخابات، خصوصاً أنه كان أعلن رسمياً أنّ حكومة العهد الأولى تبدأ بعد الانتخابات النيابية، وبالتالي يريد التقليل من جانب أو صورة التصاق باسيل بالعهد إلى درجة تصويره من قبل البعض بأنه رئيسُ ظلّ، فيما استبعادُه من الوزارة يؤدّي عملياً إلى تحجيم دوره لو ظاهرياً، كما أنّ خطوةً من هذا النوع تخدم العهد وتخفّف من تأثيرات صورة أصهرته في النيابة والوزارة.
الجانب السادس يرتبط باستبعاد الرئيس نبيه بري من وزارة المالية، حيث إنّ استبعاده صعبٌ إذا تمسّك باسيل بالخارجية والوزير نهاد المشنوق وخلفه «المستقبل» بالداخلية، فيما استبعاد باسيل من الخارجية يعزّز أوراق العهد في هذا الاتّجاه، علماً أنه سيحاول قدر الإمكان تجنّبَ الإشكاليات التي تؤخّر تأليف الحكومة التي يريدها بأسرع ما يكون.
وعلى رغم ما تقدّم من أسباب لا يمكن تجاهلُ الجانب الشخصي لدى باسيل وتعلّقه بالوزارة والسلطة وتحديداً وزارة الخارجية التي تشكل بالنسبة إليه مدخلاً لتوطيد علاقاته مع عواصم القرار تمهيداً لمعركته الرئاسية، لا سيما أنه لمس لمس اليد أهمية هذه الوزارة لتحقيق طموحاته الشخصية، وبالتالي من الصعوبة بمكان أن يتنازل عن وزارة من هذا النوع في ظلّ اعتقاده أنّ المجلس المقبل وليس مجلس ٢٠٢٢ سينتخب رئيس الجمهورية، وذلك لأسباب تمديدية أو غيرها من منطلق صعوبة تنظيم انتخابات نيابية وبلدية ورئاسية في عام واحد، أو عملياً خلال ستة أشهر.
ومن العوامل التي ستدفع باسيل إلى الضغط لرفض فكرة الفصل بين الوزارة والنيابة، حيث يدرك جيداً أنّ الوزارة تؤدّي إلى تسليط الضوء بشكل كبير على حركته خلافاً لدوره على المستوى النيابي، وذلك من الاجتماعات الأسبوعية للحكومة إلى حركة الوزارة نفسها وأنشطتها، فيما قد يُعتبر أيضاً أنه أصبح خارج دائرة القرار الفعلية.
ومن هذا المنطلق لن يتخلّى باسيل بسهولة عن فكرة توزيره، فأن يقوم مثلاً بجولة اغترابية وهو رئيس لـ»التيار الوطني الحر» شيء، وأن يقوم بها وهو وزير للخارجية والمغتربين شيء مختلف تماماً، فضلاً عن أنه اعتاد على الدور الوزاري وجنّة الحكم وليس من السهولة بمكان تخلّيه عن هذا الجانب ولو كانت كلفت إعادة توزيره توزير روكز، فالبنسبة إليه الأولوية هي لشخصه ودوره، والقاعدة هي ما يتناسب مع مصلحته، فيما لن يتوانى عن العودة إلى الحكومة واستبعاد روكز في الوقت نفسه.
وعليه، فإنّ ما يفسر تجنّب الرئيس عون الحسم في هذا الملف كون الأمور ما زالت غيرَ محسومة بعد وخروجها إلى العلن هو من أجل الدفع في هذا الاتّجاه، علماً أنّ هناك مَن يحاول إقناعَ باسيل بخطوة الفصل وخروجه من الحكومة بعنوان التشبّه بالقيادات التي توزِّر ولا توزَّر، وقد يكون هذا السبب الوحيد الذي يجعله، ربما، يوافق على الفصل.
شارل جبور