تتسارع الخطوات نحو مواجهة إقليمية مرتقبة يحدد مسارها القرار الأميركي بشأن الاتفاق النووي مع إيران المقرّر في 12 أيار الحالي، مدعوماً بملف سري كشفه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن مواقع نووية إيرانية جنوب طهران، لتصميم وإنتاج الأسلحة النووية، على الرغم من نفي إيران للأمر. بالإضافة إلى استهداف إسرائيل مواقع عسكرية إيرانية وأخرى للنظام السوري، منذ ثلاثة أيام، في ريفي حماة الجنوبي والغربي، وريف حلب، وسط غموض إيراني، لكن طهران توعّدت بالردّ.
أمام هذه التهديدات المتصاعدة، يتخوّف مراقبون عسكريون واستراتيجيون من وصول شظاياها القائمة بين الجهات الثلاث إلى لبنان، تزامناً مع انتهاء الانتخابات النيابية في 6 أيار الحالي، الأمر الذي يعتبره البعض تهديداً لأمن البلد واقتصاده، بعدما كان لبنان على موعد مع إنعاش دولي ينقذه من أزماته على جميع الأصعدة.
إشارات عدة ترسلها إسرائيل، أخيراً، لا تبشّر إلا بتفجير مرتقب للوضع في المنطقة، بينها إغلاق أجوائها أمام الطيران على الحدود مع سوريا وسماء الجولان، وموافقة الكنيست الإسرائيلي على مقترح قانون يعطي رئيس الوزراء الحق بإعلان الحرب بعد التشاور مع وزير الدفاع فقط من دون الحاجة لقرار من الحكومة. في ظل هذه التحركات، تشخص الأنظار على الجار لبنان، وذراع طهران العسكرية العابرة للحدود ألا هو حزب الله.
يرجّح العميد المتقاعد، المحلل الاستراتيجي خليل الحلو انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وفقاً لكلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع مواربة الباب لاحتمال تعديله لصالح واشنطن، باعتبار أنّ الاستراتيجية الأميركية ترفض إيران النووية والمتمددة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى قدرتها الاقتصادية على تمويل حلفائها في هذه البقعة، لتصبح قوة إقليمية تعرقل القرارات الأميركية المتعلقة في المنطقة.
وما أجّل التحرك الأميركي تجاه إيران ملف كوريا الشمالية الشبيه إلى حد ما بالإيراني، كقدرة نووية وعسكرية، واليوم انتهى النزاع بعد السلام التاريخي بين الكوريتين واستعداد الشمالية لتفكيك مواقع نووية. هذا الانتصار يعلّي أسهم الولايات المتحدة دولياً، ويعطيها دفعاً لإنهاء الملف الإيراني ولو بالقوة، وفقاً للحلو.
لكن ذلك لا يعني أنّ الحرب باتت على الأبواب، لكن ما قاله نتنياهو، منذ يومين، تصغير لما يحصل، وما حثّ الأخير على كشف الملف النووي الإيراني محادثاته مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، خلال زيارته تل أبيب. الأمر الذي يكشف بوضوح عن أنّ الاتفاق يتجه نحو الانسحاب أكثر منه نحو التعديل. وبالتالي اتخاذ موقف، لأن أزمة نتنياهو الحالية تكمن في توسع النفوذ العسكري الإيراني في سوريا، والذي يعتبره خطراً على إسرائيل، والتي أعلنت حكومته الحرب عليه منذ 4 أو 5 سنوات، باعتبار أنّ عدد الغارات الإسرائيلية على سوريا فاقت 160، لم تعترف إسرائيل إلا بحوالي 30 منها.
وآخر هذه الغارات ضخمة ولا يمكن إخفاءها. وعلى الرغم من نفي نتنياهو الأمر، وُجدت بقايا قذيفة GBU-39، وهي قنبلة مجنّحة تُطلق من طائرة “أف ــ 15″، أميركية الصنع، لا تملكها سوى أميركا وأستراليا وإسرائيل، ولا مصلحة غير للأخيرة بضربها في هذه المرحلة.
وفي حال غيّر ترامب الاتفاق النووي، ستلجأ واشنطن إلى فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران، الأمر الذي سيحد من تعامل الغرب معها، ما سيجعل طهران ترد ميدانياً، ليس عبر شن حرب شاملة إنما عمليات محدودة في إسرائيل، من خلال تحريك الفلسطينيين في الضفة الغربية، تزامناً مع احياء ذكرى النكبة، وهي فرصة لإيران.
لا ينكر العميد أن الوضع خطر بالفعل، خصوصاً في حال ردّت إسرائيل، الأمر الذي سيجعل حزب الله، باعتباره منظومة تأتمر من حرس الثوري الإيراني، يتحرك كما الفلسطينيين، جنوب لبنان، على الرغم من أن الحزب ليس بوارد فتح جبهة حالية، لكن إذا فُرض عليه الأمر، فعليه بذلك. وبالتالي، يدخل لبنان في هذه اللعبة الإقليمية.
لذلك ينصح المحلل الاستراتيجي والعسكري ذاته تحلي المسؤولين اللبنانيين بالوعي التام، لعدم استدراج لبنان إلى حرب تدمره، بعيداً عن قصائد الشعر، وما بعد حيفا، والعمق الإسرائيلي، لأن الجميع يدرك حجم القدرات الإسرائيلية الهائلة عتاداً وعديداً.
والمطلوب في هذه الحالة تعزيز العلاقات اللبنانية بدول صنع القرار، وتحديداً واشنطن، وباريس، والرياض، وأنقرة، وحتى طهران، لأن إبقاء لبنان خارج هذا الوضع الخطر ضروري.
فيفيان الخولي