تبدو الصدمة واضحة على مناصري الأحزاب المحسوبة على قوى الثامن من آذار في بيروت. “الجماعة” مصدمون من “الخَلطة” التي رُكِبت بها لائحة “التّحالف” في الدائرة الثانية، حتّى أن بعضهم يُعيب على هذه القوى إعلان إمتعاضها من إسلوب الوزير جبران باسيل “الهجين” في تركيب اللوائح لكونها “كزّته” كما هو!
مبعث الإعتراض يكمن في أصل تركيب اللائحة، إذ سادَ منطق “المصلحة”، وحُصرَ الاهتمام في كيفية تأمين الحواصل، فكانت النتيجة أن جرى إستبعاد شخصيّات سُنّية بيروتيّة رئيسيّة لحساب جهة سياسيّة تُذيع أنها تمتَلك قاعدةً تجييريّة وازنة، ما جعل الأفرقاء الآخرون ينظرون إليها كـ”جهة مُقامرة” فتحت رهاناً على إلغائهم! حجّتهم في الإتهام مكتملة وتعود لوضع “فيتو” على أحد المرشّحين السُنّة فقط لأنّه ليسَ مقترح منها.
وليس سراً أن الثنائي الشيعي الذي تبنى تقديم الدعم في تشكيل لوائح الحلفاء، سعى منذ اليوم الأوّل لإنتاج توليفة تحمل أوصافاً سُنيّة مؤهّلة لشغول المقاعد، فبُحِثَ عن أصحاب المؤهِلات ومن في إستطاعتهم أن يقدّموا إضافات لصالح لائحة، لكنّه إصطدم بكِثرة الحلفاء الجاهدون في نيل بركة مقعدٍ، ما وضعهُ في موقع حرج، لكون عليه إختيار عدداً محدّداً من المرشّحين، وهو ما أدّى في النهاية إلى ظهور شريحة “زعلانين”.
ولعل أكثر ما يزيد من الأمور تعقيداً في الدائرة، ويعتبر السبب الأوّل في إرتفاع النقمة على اللائحة ومن ثم على مركّبيها، هو إسداء المقعد الأنجيلي لصالح مرشّح “بحاجة إلى فحص دم”، كما يصرّح أكثر من مصدر بيروتي.
الأمور بين الحُلفاء وصلت حد إشتكاء ذوي القُربَى عند أحد مسؤولي حزب الله الذي طُلِبَ إليه إيصال الصوت إلى الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله وفق قاعدة “هل يقبل سماحته بذلك”، فما كان من القيادي بضوء تكرار الشكاوى إلا أن طلب من المتضرّرين الهدوء قليلاً وعدم تكبير الموضوع.. لكن كيف للموضوع أن لا يكبر وهناك كأس مرّة ذاقها كثر، وكان من أبرز نتائِجها أن دُفعوا لتشكيل لائحة مضادّة تُعتبر ندّاً للائحة الرئيسيّة التي يدعمها الثنائي، المشكّلة من تحالف التيّار الوطنيّ الحرّ – الأحباش ومستقلين؟
ورغم مرور أكثر من إسبوعين على تشكيل ثمّ إعلان اللائحة، لم تحصل معالجة للندوب التي ظهرت وقت التجميع، أو جرى تطييب خاطر الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يعتبر أكثر المتضررين من “التركيبة الإنتخابيّة البيروتيّة” بعدما باتَ في موقعٍ حَرج أمام الحلفاء ثمّ أمام قاعدته الشعبيّة على السواء.
وليس سراً إذا قلنا أن قيادة القومي تُعاني من إخراج على مستويين، الأوّل من قاعدتها الشعبيّة الممتَعضة ممّا ألمَّ بها، والثانية إحراج من الحلفاء، بحيث لم تَلتزم أمامهم لغاية تاريخه في الإقتراع لصالح اللائحة بسبب جحود القاعدة، كما وأنها لم تُقرّر وجهة إقتراعها عامةً، ما قاعدتها في ضياع مضاف، وفق ما تؤكد مصادر متابعة لـ”ليبانون ديبايت” التي تسمح لنفسها القول أن “القومي يُعاني من أزمة حقيقيّة في بيروت نتيجة التخبّط والتهوّر الناتجين عن خيارات الحلفاء”.
أزمة القومي يعود أحد أهم أسبابها إلى الأسلوب الذي إتبعَ معه بعدما جرى إستبعاد مرشّحه في الدائرة عن المقعد الأنجيلي، فارس سعد، لصالح مرشّح التيّار الوطنيّ الحرّ القسّ إدغار طرابلسي، فلا زالت القاعدة القوميّة لا تهضم أو تجد تفسيراً لما حصل رغم وضع قيادتها في أجواء أسباب هذا التبدّل.
الأزمة كما يبدو لا ترتبط بإستبدال إسم مرشّح لصالح إسم مرشّح آخر، فلوا “أتونا بشخصٍ وازن وطنياً لما كُنّا إعترضنا” يقول قيادي قومي، بل “جاؤوا بشخص مشوّه وطنياً وهو ما لا نقبل به أو نقبل أن يمثّلنا في بيروت خالد علوان أو نعطي أصواتنا له”.
وفي رأي القيادي، فالقسّ موضع الإعتراض، هو منتَسب سابق لحزب يميني مسيحي محظور، يحمل أفكاراً عقائديّة متعصّبة، وحزب متّهم بإرتباطات مشبوهة، وقيادته لا زالت متواجدة وتدير أموراً من الخارج، وهو كلام لا يُجاهر به القيادي القومي من باب “الحرتقة” بل لديه إثبات.
ويتضح أن إتهام القومي ليس وحيداً بل تغص به صالونات شخصيات سُنّية بيروتيّة اشتغلت بإعادة نَبش أوراق الماضي لإتخذتها سلاحاً للمواجهة.
لكن الغريب أن القسّ طرابلسي يوفرّ مقوّمات محاربته من قِبل خصومه على أكمل وجه. فقبل أيّام، تناولَ في لقاء إنتخابي أمام حشد، كيف تمّ إخراج المسيحيين من بيروت عام 1975، مجاهراً بأنه “خروجاً قسرياً اُجبروا عليه” مستخدماً عبارة “الإخراج” أكثر من مرة، لينطلق من هذا الموقف حد إعتبار أن الإقتراع إليه في 6 أيّار سيُسهِم في إعادة المسيحيين إلى بيوتهم التي هُجّروا منها!
كلام القسّ جعل من معركته تأخذ أبعاداً أخرى تختلف عن الشعار (وحدة بيروت) التي إتخذته اللائحة شعاراً لها، وهو لم يلقَ إستغراباً لكونه ذو جذور يمينيّة ليس غريباً عنها هذا النوع من الخطَب بقدر ما لقيَ إستهجاناً يكمنُ في صمت حلفائه على اللائحة عن هذه النوعيّة من الخطابات، سيما وأنه يوجّه أسُهمه فعلياً نحوهم!
بلوغ اللائحة هذا الدرك أفقدها الكثير من عناصر قوّتها وبريقها، وعرّضها لخطر مقاطعة الحلفاء، خاصةً الكبار منهم، كما توصف مراجع مواكبة تعمل على خط تذليل العقبات. هي لا تنفي أن لائحة “صوت الناس” مثلاً والتي تُحسب بشكل أو بآخر على قوى الثامن من آذار (تتشكل من تحالف حركة الشعب – المرابطون) قد تستفيد من تشتّت أصوات لائحة الثامن من آذار الرئيسية.
لكن في حسابات الأرقام، يبقى أن المُستفيد الأكبر هو تيّار المستقبل ولائخته التي تُراهن على إستمرار إشتباك خصومها كي يمعنوا في تشتيت أصواتهم.
عبدالله قمح