لمحاسبة كل من أخلّ بأمن بيروت واستباح شوارعها. هذا ما طالبت به شخصيات دينية وسياسية، بعد ليل مليشيوي طويل. لكن قبل الاجماع على هذه المحاسبة يجب التذكير أن الخطر المتنقل في شوارع بيروت طاول مناطق زحلية، وكاد يتمدّد ليشمل كامل الأراضي اللبنانية، ولا مبالغة في الأمر.
أما في المحاسبة، يجمع الشعب “المتحضّر، ما تبقى منه، على ذلك. إذاً، يتوجب في هذه الحالة على الأجهزة الأمنية اقتحام منازل معظم المرشحين للانتخابات النيابية وسياسيين من خارج الاستحقاق، من صغيرهم إلى كبيرهم، وليوضعوا في السجن، ثم يتم اعتقال الزعران الهمجيين في الشوارع، وعلى هذا الأساس تتم المحاسبة، ويُطبق القانون.
لكن هذا المشهد الحضاري يصعب تنفيذه في هذا البلد، وفقاً لقاعدة “إذا كان ربّ البيت بالدف مولعاً، فشيمة أهل البيت كلهم الرقص”.
7 أيار سيكون يوماً مجيداً بكل ما للكلمة من معنى، هذا الخطاب يعود لمستقبليين، خلال الحملات الانتخابية. على الطرف الآخر، 7 أيار سيكون يوماً مجيداً ثانياً، وهذا الكلام لبعض مسؤولي الثنائي الشيعي، في الفترة ذاتها.
تلاه، بيروت لن تكون عاصمة إيرانية رابعة، فجاء الردّ، بيروت ستبقى عربية، ولا داعي للخطاب التحريضي في زمن الانتخابات، وغيرها الكثير من الصولات والجولات التي لم تخلُ من شتى أنواع شد العصبين السنّي والشيعي.
إذاً هوية مُطلق الشرارة بات معروفاً، لذلك يجري البحث اليوم عن الجندي المجهول الذي جنّب لبنان إعادة ذلك “اليوم الأياري” العام 2008، ووالدته الحرب الأهلية (1975 ــ 1990). فلا داعي لشكر رئيس مجلس نيابي ووزاري ورئاسي للقيام باتصالات على أعلى المستويات لإيقاف الفتنة التي كادت أن تُشعل البلد، لأنّ “حاميا حراميا”.
بين الاعتداء على تمثال رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري، وزرع أعلام حزب الله وحركة أمل على أطرافه، وبين اقتحام الشوارع بالدراجات النارية وعمليات الشغب والاستفزاز، “بين الهتافات بيروت شيعية، وطريق الجديدة والضاحية والله وحزب الله، ومنطقة الناعمة بتكسّر سيارات حزب الله لأنو قبضاياتها سنيّة، مروراً بتشيُّع الأشرفية وزحلة”، وصولاً إلى إطلاق النار العشوائي وبروز السلاح الأبيض، هناك منازل عائلات محترمة تربّص بين أفرادها الخوف.
هو الخوف الممزوج بالقلق من عودة تلك الأيام البشعة. هناك في إحدى زوايا منزل بيروتي، قال والد “يا ريت اشتريتلكم بيت برّا المنطقة، كنت حاسب هالحساب”. من وسط العاصمة إلى الأشرفية، ساد الصمت، توقّف صخب السيارات، لا وجود لظلّ مرء يتسلل الطريق، وحده شاب عنتري يقف مع مجموعته في ساحة ساسين، تجرأ على القول، “إذا أرادوها حرباً فلتكن”. زحلة بكل مكوناتها سكتت، جرت الاتصالات بهدوء، تساءل البعض بسرّه، هل ستصبح المنطقة فعلاً شيعية؟”.
“شيعيّة أم سنيّة أم مسيحية، اطلبوا تجدوا”. هذه العبارات المقزّزة بخّتها سموم مواقع التواصل الاجتماعي، لأن قمامة الشارع فاحت رائحتها تكنولوجياً، لكن لم يتنشقها السياسيون. بل جلس هؤلاء يتمتعون بما ارتكبت أفواههم. لديهم لذّة التمتع بمشاهد العنف، والحقد، والكراهية، والطائفية والعنصرية.
لكن كما في المنازل، هناك عبر هذه المواقع “متحضرون”، وبدا لافتاً تعليق صادق لأحدهم ويدعى لؤي غندور. كتب “هذا التمثال الذي تم التنكيل به ليس تمثال شيمون بيريز بل هو تمثال شهيد لبنان، هذه الصور ليست في تل ابيب بل في عائشة بكار والبسطة ورأس النبع. هذه الصورة التي تداس بالأرجل ليست علم اسرائيل بل صورة رئيس حكومة كل لبنان التي تضم وزراء من حزب الله”.
أما هم كاذبون بالمحافظة على الاستقرار، والأمن، والاقتصاد، والانماء، والاعمار، هم مطلقو أول رصاصة في أية حرب مقبلة. لديهم أتباع فاقدو البصر والبصيرة مستعدون لتلبية ندائهم في أية لحظة، ويلدون أجيالاً تحمل الجينات ذاتها. وفي نهاية المطاف ينكرون أنهم يعرفون مناصريهم ويقولون عنهم إنهم زعران متفلّتة منفردة.
بين الجهتين، هناك 50% متبقية، أتذكرونهم؟ أضف إليهم 1% وضعوا في الصناديق أوراق بيضاء، هؤلاء ليسوا عملاء لم ينتخبوا، بل يجسدون ذلك الجندي المجهول الذي رفض هذه الفتنة الوسخة، فاحذروهم، لأنهم يتزايدون. هؤلاء في الأمس، التزموا بيوتهم وخسّروكم معركتكم السياسية، وهذه هي الحرب النفسية الحقيقية.
فيفيان الخولي