يهمس مسؤولون مقربون من حزب الله في مجالسهم الخاصة وبعضها بالعلن إلى وجوب فتح قنوات الاتصال مع حزب القوات اللبنانية الذي شكّل كتلة نيابية وازنة، وخرج من المعركة الانتخابية بيده ورقة هامة رابحة.
ويرى هؤلاء أنه إذا لم يتمّ الحوار حول الملفات الجوهرية في الوقت القريب، فإنّ الأيام المقبلة كفيلة بالأمر. ويعيد بعضهم هذا الاهتمام على الرغم من التباعد الكلي بين الطرفين إلى أنه بات واضحاً للجميع أنّ رئيس الحزب سمير جعجع أثبت وجوده على الساحة اللبنانية، والمسيحية تحديداً، وأصبح رأس حربة 14 آذار على الرغم من تفكّكها، لكن الأخير لا يزال متمسكاً بها وبمبادئها، ويحاول إحياءها.
على الجهة الأخرى، يعتبر مؤيدون للقوات أنّ التحوُّل في خطابات حزب الله الأخيرة وإيلاء الاهتمام بالسياسة الداخلية، والانخراط في مؤسسات الدولة والعمل على ملفات اقتصادية ومحاربة الفساد، وإنْ في مضمونها أولوية تأمين مصالح حزب الله لكنها في الوقت عينه يلتقي بها مع القوات، وهي نقطة أساسية تهم الأخير الذي يعمل بهذا الاتجاه نحو بناء الدولة.
ولا يمكن غض الطرف عن تصريح جعجع الأخير الذي أشار فيه إلى أن أقصى تمنيات القوات الوصول الى تفاهم مع حزب الله، لكن بتموضعه الحالي ذلك مستحيل. وأضاف أنه على الرغم من خوض معركة مباشرة بين الحزبين في بعلبك ــ الهرمل وحاصبيا ــ مرجعيون لم يشهد ضربة كف.
مراقبون عدة أوضحوا أن الرجل فعلاً لديه هذا التمني، باعتبار أن لدى القوات كامل القناعة بتحقيق مشروع الدولة، والتفاهم بين جميع الأطراف، ويجمع كثيرون على أن الطرفين أثبتا تلاقيهما في أكثر من استحقاق سياسي، وآخرها تشديدهما على ضرورة تطبيق فصل النيابة عن الوزارة.
لكن تبايُن عقيدتي الحزبين الاستراتيجية تحول دون عقد أي حوار، باعتبار أن أي لقاء ثنائي لن يصل إلى أية نتيجة، انطلاقاً من التموضع الاستراتيجي لحزب الله وايدولوجيته، التي تعتبر لبنان جزءاً من محور المقاومة ولا تنظر إليه كوطن مستقل، بالإضافة إلى تمسكه بالسلاح، على عكس قناعات القوات.
وبالتالي، يجد مراقبون ألا جدوى لحوار من هذا النوع لا نتيجة له، لكن ذلك لا يمنع التلاقي السياسي، إذ يرى القوات أن هناك مصلحة سياسية في التفاعل والتواصل مع حزب الله سياسياً، على غرار ما يحصل في مجلسي النواب والحكومة، لكنها لن تتعدى أكثر من ذلك، باعتبار أن القوات ليس فريقاً سياسياً يستهوي الدخول في نقاشات عقيمة، في ظلّ عدم إمكانية لحل مسألة السلاح.
ويشدد المراقبون على أن المصلحة بين الطرفين وفقاً لمسألتين؛ سياسة النأي بالنفس التي تحمي لبنان من أية مغامرات يقودها حزب الله على المستوى الإقليمي. والثانية، التواصل مع حزب الله على أساس المؤسسات على غرار ما يحصل تحت سقف المجلسين النيابي والحكومي، إذ شهدت المرحلة السابقة تقاطعات على أكثر من ملف على المستويين الحياتي والانمائي.
والاستقرار السياسي القائم في المرحلة الحالية على أساس النأي بالنفس، والذي أثبته حزب الله ويلتزم به، يسمح بالتقاء الطرفين في ملفات سياسية أخرى، وتحديداً ملف مكافحة الفساد. وبالتالي، ينحصر الحوار في هذا الاتجاه، وأية خطوة ممكن أن يقدم عليها الحزب ايجاباً من خلال وضع قرار استخدام سلاح حزب الله بيد الدولة، التي هو جزء منها، وبعدها الوصول إلى تسليمه للدولة بشكل نهائي، يصبح بذلك الحوار أساسياً وضرورياً.
إذاً، الكرة في ملعب حزب الله على الرغم من تحييد الطرفين الخلاف الاستراتيجي عن التقاطع السياسي لمصلحة الأمور الحياتية الداخلية، مع إعطاء الأولوية للملفات الكبرى والداخلية.
وفي حين يجد البعض بدعوة حزب الله إلى بحث الاستراتيجية الدفاعية نقطة هامة، تكمن المعضلة في مضمون النقاش وماهية بنود هذه الاستراتيجية التي قد تعترض عليها جهات عدة، بينها القوات، أضف إلى المعادلة الثلاثية التي لا يمكن التوصل فيها إلى اجماع.
كما يستحيل على الحزب تغيير ايديولوجيته، ولا يمكن وضعه تحت شروط وضغوط لإحراجه، فقد أصبح تنظيماً عابراً للحدود، وهذا واقع لا يمكن إنكاره، ما يحتّم عليه المحافظة على هذا السلاح بوجه العدو الإسرائيلي، وفقاً للعقيدة.
وبين التلاقي السياسي والتباعد الأيديولوجي يبقى أن هناك كلمة سرّ منتظرة وحدها اللعبة السياسية كفيلة بتحديد وقتها لجمع الطرفين، وفقاً للمراقبين.
فيفيان الخولي