الوعد الذي قطعه رئيس التيّار الوطني الحرّ وزير الخارجيّة جبران باسيل للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله قبل الانتخابات بعودة التيّار إلى تموضعاته الاصليّة، بدأ يأخذ مجراه نحو التنفيذ.
يرصد تحقق ذلك من الأجواء السائدة، إذ أن اللقاءات الشهريّة المعهودة بين باسيل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا، مرشّحة للتفاعل والعودة إلى سابق عهدها، والتزام باسيل تنفيذ وعده لنصرالله يمكن قراءة أصوله من خلال تصرفات وزير الخارجيّة الأخيرة التي طرأ عليها تعديلاً في نوعية خطابه.
وبات من شبه الواضح أن الجزء اليَسير من الأسلوب الذي استخدم خلال فترة الانتخابات، سيما الخطاب الذي تواجه به باسيل مع حركة أمل، سحب من جدول أعماله وغاب عن الادبيات السياسيّة المستجدّة لرئيس التيّار الوطني الحرّ، الذي أبقى فقط على منسوب الخطاب مرتفع السقف بوجه القوات اللبنانيّة حصراً، وهذا له تفسيره المرتبط بشد الحبال الحاصل ضمن المستوى المسيحي.
التبدلات الظاهرة على خطاب باسيل والمتجمّعة في حدود الأيام الفائتة، يفسّر أنها مردودة على النتائج الإيجابيّة التي تجمّت من لقاء الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي في بعبدا، والتي يرسم مطّلعون عليها، أنها أسست لعلاقة موضوعيّة مبنية على الوقائع التي ثبّتت الشخصيتين كنموذجين بارزين في الواقع السياسي، الذي فرضت ارقامه المستندة على نتائج الانتخابات أن يتقاسما السلطة معاً.
ولكي يسيّل هذا التقاسم في معضلة اللعبة السياسيّة، يوجب عليهما التعاون والتناغم، وهذا ينسحب على رئيس التيّار الذي يعتبر “صهر العهد” وعلى عاتقه استتباب أمور الحكم.
لا يخفي متابعون أن طيف السيّد نصرالله كان حاضراً في لقاء برّي – عون، إذ وخلال فترة السخونة الانتخابيّة، مثّلت قناة التواصل المعهودة بين برّي – نصرالله المخرج الملائم لأي اشتباك والضامنة لعدم خروج لعبة التنافس الانتخابي عن حدودها المعقولة أو المرسومة.
ولا تنفي أوساط متابعة أن يكون نصرالله قد اضطلع بدور ما في تقريب وجهات النظر بين حليفيه، بحيث يسرّب أنه وخلال فترة الانتخابات، كان عون ونصرالله دائمي التواصل الهاتفي عبر نفس القناة. وفي آخر اتصال جرى بينهما بعيد إعلان نتائج الانتخابات، اتفقا سوياً على إزالة كل التراكمات التي تسببت بها هذه المرحلة.. يقال أن من ضمن ذلك إعادة المياه إلى مجاريها مع بري ورأب الصدع مع جبران باسيل.
الأخير، وفي آخر لقاء جمعه بالأمين العام لحزب الله قبل الانتخابات، كان قد وعد بأنه سيعود إلى سابق عهده في العلاقة مع الحزب وحلفائه، مبرراً تصرفاته والمواقف التي اقدم عليها (حينها) بمتطلبات الوضع الانتخابي، فأبدى الحزب تفهماً حيال ذلك.
بعد انقضاء هذه الفترة ثم اعلان النتائج، نشط حزب الله على خط العمل على “لم الشمل” بين حلفائه ومعالجة الندوب الناتجة عن مرحلة الانتخابات، في وقتٍ كان مسؤولاً أمنياً رفيعاً يتحرك بين قصر بعبدا وعين التينة من أجل تنسيق لقاء بين الرئيسين وهو ما مهد لحصول الاتصال الهاتفي الذي حدد موعد اللقاء.
ولا تخفي أوساط سياسيّة مطلعة، أن ينسحب التفاؤل والايجابيّة التي سادت خلال اللقاء على كامل العلاقة مع التيّار الوطني الحرّ، والتي يبدو أن رئيس الجمهوريّة سيعمّم أمر اليوم على أركان تيّاره السابق، بضرورة إعادة وصل ما انقطع مع الحلفاء، وعلى رأسهم باسيل الذي يعتبر الركن الاساس في الازمة.
ويمكن ملاحظة هذه الإيجابيات بإعلان بري أمام عون عن احقيّة تسمية التيّار مرشحاً لنيابة رئاسة المجلس، أمّا اللافت بإقراره أحقيّة التسمية، أن كلامه يمثل اعلاناً صريحاً بأن التيار –بظل ما يمثل- يشكل شريكاً صريحاً لبري الذي وبحكم خبرته لن يتواجه مع شريكه بل سيفضل التعاون معه.
وتأسيساً على الذي سبق مثل موقف بري تجاوزاً لتسريبات كان تقول بنية موجودة لدى التيّار بعدم تسمية بري رئيساً ومقارعته خلال جلسة انتخاب رئيس المجلس، وبالتالي يصبح حكماً على التيّار التعاطي مع برّي وفق ذات الروحية، وهذا الامر عبّر عنه صراحةً باسيل الذي أعلن أنه سيقابل اليد المدودة بأخرى مثلها.
يصبح لزاماً على باسيل بالتالي استكمال الايجابيات التي سادت في قصر بعبدا، وملاقاة بّري عند نفس الدائرة التي شارك برسمها رئيس الجمهورية والامين العام لحزب الله. ويتردد ضمن مجالس ضيقة، ان عون مهّد فعلياً لتصفية قلوب بين بري وباسيل، الا ان موعد الغسيل ترك تحديده ووفق اي شكل سيكون للأيام القليلة القادمة، التي ستحمل معها حكماً لقاءاً بين باسيل وبري يهندس العلاقة من جديد.
عبدالله قمح