من عمان الى قطر فمصر وصولاً إلى لبنان تنقّل “عبّاس س.” في عمله كحلّاق رجالي. كان لإبن زحلة شبكة علاقات واسعة مع زبائنه من مختلف الطبقات والمهن، وتعدّدت جنسّات هؤلاء فكانوا يقصدونه من كلّ حدبٍ وصوب كيف لا وهو “الحلّاق اللبناني” المعروف بـ”شطارته”!
شطارة اللبناني هنا لم تخدمه فيما آلت اليه ظروفه، فانتهى به الأمر خلف القضبان يُواجه تهمة “التواصل مع عميل الموساد الإسرائيلي وهو على بينة منه”. كيف وقع ابن الخمسين عاما في شباك العدو وكيف تصرّف “حزب الله” معه فور علمه بالأمر؟
الساعة الثانية عشر والنصف ظهراً، اقترب “عباس” بلباس سجن الريحانية الكحلي ووقف أمام المنصة المثبّتة في مقدمة قاعة المحكمة العسكرية ليروي قصّته: “كنت أعمل حلّاقاً للرجال في مصر وكانت علاقتي جيدة مع الزبائن وسمعتي ممتازة. وكان أن حضر اليّ زبون عرّف عن نفسه أنّه بريطاني الجنسية ويُقيم في مصر. حلقت له شعره عدّة مرات وتبادلنا الحديث فسألني عن بلدي وإذا ما كنت سنّياً أم شيعيّاً، فأجبته أنني شيعي من مدينة زحلة، توطّدت علاقتنا، الى أن دعاني لحضور حفل ميلاده في منطقة العريش بمصر. في اليوم المحدد، توجّهت الى منزله، فتفاجات بأن الكثير من الحضور يعتمرون “القلوسة” على رؤوسهم، أيقنت حينها أنّه بريطاني إسرائيلي. لقد أصابني الذهول مما رأيت فانسحبت فوراً”.
يتابع الموقوف: “بعد مدّة قصيرة، تركت العمل في مصر وحضرت إلى لبنان، كان ذلك في العام 2012 حين تلقيت اتصالاً من رقم قبرصي، كان هو المتّصل، سألني عن سبب مغادرتي مصر فأخبرته أنه واجهتني بعض المشاكل مع أرباب العمل، فعرض عليّ مبلغ 300 ألف دولار وشقّة في الروشة. كان السؤال البديهي الذي طرحته عليه ماذا تريد مقابل ذلك، فأتى الجواب: “نريد معلومات عن “حزب الله”. انتهت المخابرة عند هذا الحدّ. سارعت الى مسؤول “حزب الله” في أبلح حيدر عجاج حسن وأخبرته بمضمون المكالمة الهاتفيّة، فاصطحبني الى المدعو حسين حسّون حيث أفدته بما حصل. فأخذ منّي الأخير رقم الهاتف الذي تلقيت الإتصال منه وطلب مني التواصل مع العميل الإسرائيلي المذكور لمعرفة ما يريده تحديدا من معلومات عن الحزب”.
“اتصلت أنا بناء على طلب اللجنة الأمنية بالعميل الإسرائيلي فعاود الطلب نفسه، وتكرّر التواصل معه مرّة ثالثة وأخيرة، أخبرته فيها أنني غير موافق على العرض، وذلك بعد أن تركت لي اللجنة الأمنية حريّة الخيار وحيّتني على موقفي بعد أن أفدتها بفحوى الإتصال الأخير”، وتابع عباس: “تفاجأت بتوقيفي منذ مئة وخمسة أيام فيما أقسم بالله أنا هذا كلّ ما حصل معي”.
بالتدقيق بأوراق الملف، أفهم رئيس المحكمة العميد حسين عبد الله، المستجوب أنّ توقيفه لم يتم بموجب هذه القضية، وأنّما أتى بموجب تعميم لإسمه صادر بـ “جرم التعامل مع العدو” في العام 2003 وليس في العام 2012، فتعجّب الموقوف من الأمر كاشفاً أنّه كان موقوفاً بين عامي 2003 و2006 بجرم التسبّب بوفاة والدة زوجته.
اكتفت المحكمة بهذه الإفادة وقرّرت استدعاء الشاهد عجاج حسن للتأكّد من صحة أقوال المتهم، وتسطير كتاب الى المديرية المخابرات للوقوف على حقيقة تواصل “عباس” مع اللجنة الأمنية وارجاء الجلسة الى 23 تموز المقبل.